سعود عبدالعزيز الجنيدل
قبل أيام مضت اتصلت عليّ الوالدة/ نورة بنت عبدالعزيز الجنيدل -حفظها الله- في حدود الساعة 2:30 ظهراً لتخبرني أني قد قدمت للدنيا قبل 35 عاماً ونيف، في هذا اليوم نفسه، وفي الساعة نفسها. هذا الاتصال، من الوالدة- أطال الله في عمرها- جعلني أتأمل في ثلاث حقائق:
الحقيقة الأولى: روعة الأم، وحنانها الذي لا ينضب، فهي تتذكر كل شيء يتعلق بولدها، من لحظة حملها له، حتى آلام المخاض، وصولاً لقدومه لهذه الدنيا، فكأن ذكريات ولدها حفرت في عقلها، وتراها أمامها مثل فيلم سينمائي، تشعر بالفرح والسعادة كلما تفرجت عليه، ولا يهم كم عدد المرات التي رأته، فستظل إلى آخر يوم في عمرها، وهي تشاهد تلك الذكريات، والسعادة تغمرها من رأسها حتى أخمص قدميها الطاهرتين.
حقاً إن الأم عظيمة، ومهما فعلنا، فلن نستطيع مجازاتها، وإعطاءها حقها، -حفظ الله أمهاتنا جميعاً.
الحقيقة الثانية: سرعة انقضاء الأيام، ومثل ما قال الحسن البصري-رحمه الله-: «ابن آدم إنما أنت أيام، كلما ذهب يوم ذهب بعضك».
وهذا يجعلنا نحرص على تطوير أنفسنا، وزيادة ثقافتنا، وأن تكون السنة الحالية أفضل من السنة الماضية، والسنة القادمة أفضل من السنة الحالية، وهكذا دواليك، لنظل في تطوير مستمر لذواتنا، ومعارفنا، وأحفظ عن ظهر قلب حديث رائع لرسولنا محمد -صلى الله عليه وسلم- يقول فيه: «لو قامت القيامة وبيد أحدكم فسيلة، فإن استطاع أن لا يقوم من مكانه حتى يغرسها، فليفعل».
ما أروع هذا الحديث الذي يحثنا فيه سيد البشر على العمل، والعمل، ولا نركن للراحة والكسل، وحري بهذا الحديث أن يكتب بماء الذهب، ونجعل الصغار قبل الكبار يعملون به.
الحقيقة الثالثة: نعمة الأمن والأمان ورغد العيش اللاتي عشتها، ومازلت أعيشها، وعاشها الآباء، والأجداد منذ توحيد المملكة على يد المؤسس الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن -طيب الله ثراه-، ومروراً بأبنائه الملوك -رحمهم الله- وصولاً لملك الحزم والعزم الملك سلمان -حفظه الله-.
بكل تأكيد هي نعم كثيرة يحسدنا عليها كثيرون، ويكفي أن تنظر في أيّ اتجاه شئت لترى الفتن والقلاقل، والحروب، والقتل، والهدم، والتشريد، والمآسي بأنواعها التي تفطر القلوب، ونحن وبحمدلله نسير في مركب آمنين مطمئنين بعيداً عن كل هذه الأمور، وتحت قيادة حكيمة رشيدة، نذرت نفسها لخدمة الحرمين الشريفين، وخدمة هذه البلاد الطاهرة المباركة، حفظها الله من كل سوء، وجميع بلاد المسلمين.
إذن هذا الاتصال من الوالدة -حفظها الله- الذي لم يتجاوز دقائق معدودة جعلني أفكر في هذه الحقائق المهمة، التي غابت عن أذهان بَعضنا، وكل الأمنيات أن تشاركوني في التفكير فيها.
أخيراً..
يوم الميلاد هو حق لكل شخص أن يفرح به، ولكن الميلاد الحقيقي لنا هو توحيد هذه البلاد المباركة، وهذا الوطن المترامي الأطراف، الذي بذل له الملك المؤسس الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن -طيب الله ثراه- ورجاله المخلصون الغالي والنفيس، حتى ننعم بهذا الأمن والأمان، وأن نعيش في رغد من العيش، وأن نحافظ عليه، ونرد كيد الكائدين في نحورهم، تحت قيادة حكومتنا الرشيدة بقيادة خادم الحرمين الشريفين، ونائبيه.
إضاءة:
يقول أبو تمام
أعوام وصل كان ينسي طولها
ذكر النوى، فكأنها أيام
ثم انبرت أيام هجر أردفت
بجوى أسى، فكأنها أعوام
ثم انقضت تلك السنون وأهلها
فكأنها وكأنهم أحلام