«الجزيرة» - أحمد المغلوث:
كنا نشاهد إحدى المسلسلات التركية عندما قال أحد الحاضرين (ما شاء الله صوت هذا الممثل مميز، أكاد أعرفه وأميزه من بين مختلف الأصوات الأخرى!). فوافقه الجميع على رأيه أن لكل صوت تميزه وعلامته التي تجعل منه شخصاً مختلفاً.. بل هناك من خدمه صوته ومن خلاله بات شهيراً.. عن الصوت كانت هذه «الإطلالة» لهذا اليوم. والمدهش أن صوت المرأة يختلف عن صوت الرجل، وذلك لنعومته ورقته، عكس أصوات الرجال الخشنة! من هنا تفوقت المطربات في الغناء عن المغنين الرجال. ويؤكد العلماء على أن لكل صوت نبراته ودرجاته، لذلك يُكتشف ويُعرف الواحد من صوته حتى ولو تحدث خلف ستارة، أو في تسجيل صوتي. ومن هنا يستطيع إخواننا وأخواتنا «المكفوفين» معرفة الأشخاص من أصواتهم.. والصوت هذه النعمة العظيمة التي أودعها الله فينا هي شكل من أشكال التعبير والكلام والتي يستطيع كل واحد منا محادثة الآخرين بها.
والصوت كان وما زال وسيلة اتصال بيننا وبين البشر، نستطيع عن طريقه نقل مشاعرنا وأحاسيسنا المختلفة.. فرحاً أو حزناً.. حباً, كراهية. كل ألوان وأشكال المشاعر التي نحملها في نفوسنا ننقلها عبر نغمات الصوت، ومن هنا وعبر أصواتنا يعرفنا ويتعرف علينا الآخرون. فلكل واحد منا نغمة صوتية معيَّنة لا يمكن أن تشبه نغمة أو حركة صوت هذا الشخص أو ذاك.. كل واحد منا يحمل علامات معيَّنة تدل عليه من خلال صوته. لهذا فإننا لا نستطيع أن ننسى بعض الأصوات العزيزة علينا.. وما أكثرها في حياتنا.. فأنت لا يمكن أن تنسى صوت إنسان أو إنسانة تحتل مساحة كبيرة في قلبك، لسبب بسيط هو ارتباط هذا الصوت ببعض الأحاسيس والذكريات الحلوة.. فهل ينسى الواحد صوت والدته الحنون أو والده، أو زوجته المحبة.. ؟! أو صوت صديق عزيز عليك. لا أعتقد.. وهل لا يذكر أحدنا خصوصاً قراء القرآن الكريم في بلادنا أو غير بلادنا وأصواتهم خلال التلاوة التي أسعدتنا خلال الاستماع إليهم؟! والذين تجاوزوا منتصف العمر وأكثر يذكرون جيداً صوت الملك فيصل - رحمه الله - أو صوت مذيع صوت العرب «أحمد سعيد» أو صوت حبيبنا - أمد الله في عمره - حسين نجار، أو ماجد الشيل.. إلخ. ولا شك أن هذه الأصوات والتي تختلف عن بعضها من حيث تأثيرها على طبلة الأذن قوة أو ضعفاً وبما تتضمنه من نغمات مؤثرة.. وكثير من الحالات والحوادث الإجرامية التي تحدث للبعض من قبل أشخاص مقنعين، لكن يقع البعض منهم في يد العدالة بعدما تسمع الضحية لصوت المجرم صدفة؟! حيث كان الضحية قد تشبعت ورسخت نغمات صوته في ذاكرتها..! وهكذا نكتشف أن الصوت يؤثر في المستمع إليه.. وربما استطاع صوتك التأثير فيه أكثر من شكلك، هذا، يقول الخبير الأمريكي (وليم وانس) إن صوتك هو العنصر المميز الجذاب لشخصيتك، وباستطاعتك أن تتحكم فيه إلى حد ما مشكلاً نبراته ليكون صوتاً فرحاً حنوناً عطوفاً ولطيفاً.. والمرأة - كما يؤكد هذا الخبير - في الأصوات أقدر من الرجل على عملية تكييف صوتها.. فهي عندما تريد منك شيئاً ما تجدها تتحدث برقة وعذوبة لا تقاوم، أما في حالة الغضب فصوتها يكون حزيناً راجياً يستدر الرحمة، وغير ذلك من التأثيرات الأخرى. والصوت قبل وبعد لا يمكن أن يتغير أبداً.. صوتك كريه.. سوف يستمر هكذا طول عمرك، أمرك لله.. مهما حاولت أن تكون صاحب صوت مؤثر.. حتى ولو استعملت الوصفات الطبية الممكنة التي قد توصف لتسليك حبائلك الصوتية. فالصوت الجميل.. جميل حتى الآخر.. وهكذا نجد أن الصوت الجميل خاصة لمن يمارس الطرب والغناء سوف يحقق لصاحبه الشهرة والمال وحتى المجد.. فالصوت أذن ثروة.. إلا أن عملية الحظ واستغلال هذه الثروة بطريقة ذكية سوف تحقق لصاحبها المزيد من الخير..
ويجدر بنا أن نشير إلى بعض أنواع الصوت، وهذه الأنواع هي التي تنشأ عن الحركة الميكانيكية للصوت لا الناحية الموسيقية. فمثلاً هناك الصوت المزدوج: وهو الذي يصدر عن نغمتين مختلفتين في الارتفاع، ويعود السبب إلى عدم انتظام الحبال الصوتية. الصوت المنتحب: وهو الصوت الذي تنقصه النغمات.. صوت بلا موسيقى. الصوت الخلقي: وهو الصادر من الحنجرة ويعود إلى خطأ في النطق. الصوت الأنفي: وتغلب عليه الرئة الأنفية. الصوت المبحوح: وهو يصيب من يفرط فى استخدام صوته كالمدرسين والممثلين والدلالين. الصوت الرفيع: ومرده إلى زيادة الهرمون التناسلي.. يلاحظ ذلك في سن البلوغ. الصوت الرجولي: وهو صوت يصيب المرأة التي تتعاطى بعض الهرمونات الذكرية ضمن أدوية أو عقاقير تشتمل على ذلك.. وماذا بعد، والصوت الرقيق الجميل يوحي للمبدعين بأشياء كثيرة أشياء مثيرة فتراهم يترجمون هذه الأشياء ضمن إبداعاتهم المختلفة.. يحاولون جاهدين التعبير عن ذلك وأكثر من ذلك.. فكم من قصيدة كتبها الشعراء نتيجة لسماعهم صوتاً عذباً لا يمكن مقاومة سحره.
يقول شاعرنا القديم عن مثل هذا الصوت (والأذن تعشق قبل العين أحياناً..)، فكم من واحد في حياتنا عشق وأحب نتيجة لسماعه صوتاً رقيقاً..؟!