يعد رأس المال في عملية التنمية الاقتصادية (التحول الاقتصادي) ضروريا مثله مثل غيره من مقومات التنمية الاقتصادية كرأس المال البشري والاستقرار السياسي والاستقلال السياسي والدعم الحكومي فهناك دول بدأت تحولها الاقتصادي نتيجة تراكم رأس المال لديها كبريطانيا فبدأت ثورتها الصناعية في أواخر القرن الثامن عشر نتيجة تراكم رأس المال ولكن ألمانيا لم يكن لديها إلا القليل من رأس المال وقد ساعدها في نموها الاقتصادي ما تمتلكه من نظام مصرفي قوي استطاع توفير التمويل اللازم للصناعة والاقتصاد وهناك مثال مغاير للمثالين السابقين ففي القرن التاسع عشر لم يكن لروسيا رأس مال متراكم ولا مصارف قوية تستطيع تمويل الاقتصاد وبدلا من ذلك لجأت إلى الضرائب التي ساعدتها في توفير التمويل اللازم لصناعتها.
وبالنظر إلى ما تمر به المملكة العربية السعودية من انخفاض تراكم رأس المال الذي بدأ يقل بين فترة وأخرى فقد وصلت موجودات مؤسسة النقد العربي السعودي بنهاية شهر يوليو 2016 إلى 2177 مليار ريال بينما سجلت أعلى مستوى وصلت إليه موجودات مؤسسة النقد العربي السعودي لشهر أغسطس 2014 إلى 2840 مليار ريال بانخفاض بمقدار 663 مليار ريال مقارنة مع شهر يونيو الماضي بنسبة انخفاض تقدر 23.3 % وهذا يعد انخفاضا قويا ومؤثرا على الاقتصاد السعودي.
وبالنظر إلى القطاع المصرفي الملقى عليه حمل كبير في عملية التحول الوطني من تمويل وإيجاد الحلول التمويلية التي يحتاجها الاقتصاد فهو يمر في الوقت الراهن في وضع غير جيد وذلك بسبب انخفاض السيولة التي انخفضت بشكل ملفت وخاصة بنهاية الربع الثاني 2016 وذلك بسبب نمو الإقراض بمعدل سنوي 8.9 % مع انخفاض الودائع 3.3 % وبذلك ارتفع نسبة الإقراض إلى الودائع التي وصلت إلى 90.2 % مما يصعب موقف المصارف من ناحية التمويل ونمو ربحية المصارف الذي أثر على مؤشر سوق الأسهم السعودي بتأثير مباشر عن طريق أسعار المصارف التي انخفضت وبتأثير غير مباشر عن طريق التأثير في أسعار الشركات الأخرى لما لدور المصارف في عمليات التمويل والاقتصاد وهذا التأثير سوف يستمر مع وجود السبب.
أما الضرائب فتلعب دورا في توليد التمويل للحكومات وقد تصل إلى النسبة العظمى في تمويل الإنفاق الحكومي في أغلب الدول وبالنسبة للمملكة العربية السعودية فلم تعمل بها سابقا بشكل واضح إلا في الآونة الأخيرة عندما اتجهت إلى إيجاد مصادر غير الإيرادات النفطية وإلى تنويع الدخل ولكن اتجاه الحكومة في فرض الضرائب لم يكن في جميع الأنشطة الممكن تحصيل الضرائب عن طريقها بل كانت بنسب ضئيلة ولا يؤدي إلى إيرادات تشكل دعما له دورا بارزا في دعم الإيرادات الحكومية وسوف تحتاج وقتا إلى بداية تحصيلها.
إن التجارب الماضية التي مرت بها الدول في عمليات تحولها الاقتصادي تعتبر دروسا واستشارات بالمجان بالإضافة إلى واقعيها فيجب على الدول التي عندها رغبة في التحول الاستفادة من هذه النماذج واختيار المناسب لها أو اختيار جزء من كل نموذج وبتالي تحصل على نموذج ممتاز يناسب وضعها وتوجهها والمقومات التي تملكها وأخص بالحديث المملكة العربية السعودية فعليها النظر لتلك النماذج بتأني وتطبيق المناسب والتقليل من الاقتراض الداخلي الذي يزاحم القطاع الخاص الذي أدى إلى انخفاض السيولة وارتفاع معدل فائدة الإقراض والاتجاه إلى الاقتراض الخارجي الذي يتمتع بمعدل فائدة مناسبة وتمتع المملكة بتصنيف جيد أما بالنسبة للضرائب فلابد من التوسع فيها للتخفيف على الحكومة من الاقتراض الذي سوف يرتفع معدل الفائدة في المستقبل مما يزيد المعانة.