قد تستغرب عزيزي القارئ وعزيزتي القارئة من عنوان مقالي ولكن لا أدري كيف أبدأ حديثي لأن ما في وجداني الكثير والكثير.
هل أعبِّر بكلمات أم برموز. ولسان حالي يقول: وماذا بعد الصمت؟! «قد ينوب الصمت عن الكلام أحياناً» ولكن لا ينوب الكلام عن الصمت مطلقا ما أروع وما أجمل تلك العبارات ولكن يا لهذا الصمت القاتل أحياناً كيف يحرقنا كيف يؤلمنا كيف يقلقنا كيف يجعلنا في حالة من الحيرة لا نعرف خلالها أنحن على حق أم لا؟ ليت شعري هل يواصلن المني ويعبِّر عما في وجداننا ليت شعري يستطيع أن يعبر عما يخالج فؤادي.
صمْتٌ خيَّم على الوجدان فاضطرب نعم صمت وما أدراك ما نوع صمتي؟ حقيقة ما أضعفنا نحن البشر حينما نكون محتاجين بشدة لشيء ولا نستطيع تحقيقه. ما أضعفنا حينما يدخل قلبنا الشوق والحب ويتمكن منا. نعم الإنسان الناجح هو الذي يُغلق فمه قبل أن يغلق الناس آذانهم، ويفتح أذنيه قبل أن يفتح الناس أفواههم. لا تدع لسانك يشارك عينيك عند انتقاد عيوب الآخرين فلا تنس أنهم مثلك لهم عيونٌ وألسن.
لا تحسبنّ صمتي جهلاً أو نسياناً فالأرض صامتة وفي جوفها بركان، فالصمت لغتي فاعذروني لقلة كلامي فربّما ما يدور حولي لا يستحق الكلام، وربما صمت يعقبه بركان لا أدري... نرى الظلم والتجاهل ونصمت ولكن سوف يرى الصمت نورا يوما ما... حقيقة.
ما أضعفنا حينما نريد الحديث وتمنعنا عبارات تقف عاجزة عن توضيحها. فينوب الصمت وبذلك نجد أنفسنا نقول: وماذا بعد صمتنا؟!
ألم تسأل نفسك لماذا نحن في مواضع كثيرة نصمت وبشدة. لا ننكر أننا نحتاج إلى تلك اللغة التي ربما تكون تبادل خبرة وتبادل آراء دون حديث، يا لها من لغة سامية لا يعرفها ولا يقدرها إلا من كانت شعاره في حياته.. نحن بالفعل نحتاج إلى الصمت في حياتنا وفي أوضاعنا وخاصة من كان حساساً يملك مشاعر فياضة -نعم نحتاجه في كتم غضبنا. ولكنه في أحيان كثيرة سبب ضعفنا وكثيراً ما ضاعت حقوقنا بل وأبسطها. ألم تسأل نفسك أحياناً ما تأثير ذلك الصمت عليك وعلى الآخرين؟! أقول: لكل منا أسلوبه وتوقيته مع الصمت فهناك ظروف تجبرنا على استخدام تلك اللغة حيث يختلف الأشخاص في التعبير عما يدور في خواطرهم نعم لغة الكلام تعبيري، لغة الصمت شعاري، لغة العيون سهامي، لغة الرسم رمزي.
ألستم معي في ذلك. سؤال يخالجنا جميعاً لماذا نصمت ومتى نصمت نحن بالفعل نصمت أحياناً خوفاً من أن تفضحنا كلماتنا خوفاً من أن تخوننا عباراتنا خوفاً من أن نفهم خطأ من الآخرين خاصة حينما تكون قسمات وجهنا وملامحنا فاضحة -نحن نشتاق ونتلهف بحرقة كي نناقش شخصا ما في موضوع ما نريد أن نأخذ ونعطي معه لأنه يفهمنا ويقدر مشاعرنا يحس بنا حتى ولو كان بعيداً عنا...
نشتاق للحديث معه ولكن حينما نراه يتبدل حالنا ومشاعرنا تبرد أحزاننا ترتعد فرائصنا تتسارع دقات قلوبنا يتلعثم لساننا تخوننا عباراتنا تنقلب ألوان وجهنا بكل ألوان الطيف ولا نشعر إلا ونحن صامتون لا نستطيع التفوه ولو بكلمة... نصمت في مثل هذه المواقف غير المتوقعة لأننا لم نكن نتوقع سماع صوت هذا الإنسان أو رؤيته. أو من هول المفاجأة ولسان حالنا يقول:
خطرات ذكرك تستثير صبابتي
فأحس منها في الفؤاد دبيبا
لا عضو لي إلا وفيه صبابة
فكأن أعضائي خلقن قلوبا
نصمت لكي نفكر كيف نرد على الآخرين أو بأي أسلوب؟ نصمت لكي نفكر هل الكلام مناسب في هذا الوقت. نعم نصمت لأن الكلمات لا تسعفنا في التعبير عن الشكر والامتنان ولأننا نقول:
شكرت جميل صنعكم بدمعي
ودمع العين مقياس الشعور
نصمت بإرادتنا أحيانا لأننا لا نريد أن نخسر أعز وأقرب الناس إلينا لأننا نخشى أن نتفوه بكلمة تحت ظروف عصيبة فتحدث شرخا كبيرا في علاقتنا فتؤدي بها إلى النهاية. نصمت لأننا نريد الاحتفاظ بتلك العلاقة أحياناً.
نصمت وهذه هي المتعة الحقيقية من صمتنا لكي نستمتع بصوت من نحب وسماع أخباره ومعرفة كل شيء عنه نصمت لنتأمل بمن نحب لأن صدقه وصراحته أجبرانا على أن نعامله بهذا الأسلوب الراقي.
نصمت لأننا نبحث عن أجمل وأرق العبارات لكي نصفه به لأنه أسرنا بروحه الحلوة. أليس في صمتنا بعد ذلك. لغة أي لغة. نعم مشاعر فياضة وعواطف مكنونة. وأحاسيس مدفونة تكمن في قلوب صامتة.
نعم ما أروع اجتماعها في شخصياتنا.
فهلاَّ جعلنا الصمت ينوب عن الكلام.
جرِّب وأنت الحكم فهلاَّ عرفنا!!
وقفة:
ها هي مشاعرنا.
ها هي عواطفنا.
نعبر عنها بأي لغة.
بكلامنا أم بنظراتنا. بصمتنا وأي صمت.
لغة وما أجملها من لغة.
سهام وأي سهام سهام أبلغ من الكلام.