محمد بن عبدالله آل شملان
وصول خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود ـ حفظه الله ـ قبل أمس الأول الأحد التاسع من شهر ذي الحجة لعام 1437هـ إلى منى يأتي للإشراف المباشر على راحة حجاج بيت الله الحرام وما يقدَّم لهم من خدمات وتسهيلات؛ ليؤدوا مناسكهم بكل يسر وسهولة وأمان، وليطمئن - رعاه الله - على جميع مراحل الخطة العامة لتنقلات الحجاج في المشاعر المقدسة.
وإن هذا المبدأ الدوري السنوي يجسد المكانة الروحية العظيمة التي تمثل الدافع القوي للاهتمام والمتابعة؛ إذ إن خادم الحرمين الشريفين يضع في مقدمة الأولويات التنموية ويرصد جهد النفس والدولة لرفع مستوى الخدمات في المدينتين المقدستين (مكة المكرمة والمدينة المنورة) إلى المستوى اللائق بهما.
وفي كل عام يدرك العالم ثمرة هذه الجهود المتمثلة في التسهيلات الكبيرة التي يتلقاها ضيوف الرحمن وحجاج بيت الله الحرام وزوار المدينة المنورة.
وهذا النسيج التنموي يقوم على نسق حضاري متكامل.. بدءًا بعقد الأمن وتوفير الطمأنينة، إلى تدفق المياه العذبة الصالحة للشرب.. إلى تقديم التسهيلات العلاجية والترحيل والمواصلات، وتقديم خدمات الإرشاد والوقاية الصحية التي تلازم كل حجاج بيت الله وزوار المشاعر المقدسة..
والتكاملية في مفهوم خطة التنمية تعني أن تتكامل هذه الخدمات كافة بين مدن ومناطق المملكة لتحقيق هدف التنمية الشاملة التي تنشدها الدولة.
إنها حركة تجانس حضارية بين مختلف المسارات، تصب في إطار الهدف الأول والأوحد الذي هو الإنسان.. طموحاته وأحلامه وتطلعاته إلى طوي تلك المسافات النائية التي كانت تفصل بينه وبين هذه الأدوات التقنية الحديثة التي أصبحت بين يديه الآن، يحارب بها، ويسخرها لقهر أسباب الفقر والجهل والمرض.
لقد كان هذا الإنسان بفضل قيادته الرشيدة الأمينة ـ أعزها الله ـ بارعًا كل البراعة في خلق توازن حضاري، يندر أن يتكرر مثيله عندما أمسك بقوة وبيده اليمنى بأدواته التاريخية الأصيلة، واحتفظ بهويته الإسلامية والروحية التي تعمر قلبه بالإيمان، وتشعل القناديل أمام طريق المستقبل.. وفي الوقت نفسه أمسك بيده الأخرى بكل أدوات التقنية التي تحقق له النقلة المأمولة، وتجعله في ركاب الأمم المتقدمة التي تعمل من أجل خير الإنسانية، وتنشد السلام والأمن في ربوع العالم في غير ضغينة أو أحقاد جاهلية أو عنصرية أو إقليمية، تذهب بثمار الحضارة الإنسانية.
إنَّ شعب المملكة تحت ظل هذه القيادة، وبفضل تمسكه بهاتين الأداتين (الروحية والحضارية)، استطاع أن يرسم لنفسه مستقبلاً يستنير به الآخرون، ويستنجد بقوته وفعاليته كل الشعوب التي تتطلع إلى الأمن والسلام والرخاء.. فالمملكة بما تملك من هذه الأدوات وما وهبها الله من الخيرات والثمرات أصبحت القِبلة الحضارية التي تستقطب آمال هذه الشعوب للاستلهام بتجربتها الوطنية، وحسها الإسلامي والعربي الحاضر في كل المناسبات، وصوتها النافذ في أوقات الشدة، ومبادرتها التي تحمل قوة الإيمان بهذه الروابط التاريخية التي تجمع بين الشعوب الإسلامية لتحقيق التضامن وكبح عوامل الفرقة التي هي الداء التاريخي اللدود أمام طموحاتها.
وفي هذه المرحلة العصيبة التي تحاول فيها قوى الشر والعدوان أن ترمي بحبالها السامة لتلعق في المائدة، وتنشر سمومها القاتلة بشتى الوسائل.. فإن المملكة ظلت تمثل صوت العقل لصد العدوان، وفضح مخططات التآمر على الأمة الإسلامية، ليس بالضجيج والصراخ وبث الأكاذيب كما يفعل المتآمرون، وإنما بتبيان الحقائق ورصد الأدلة الكاملة ومخاطبة العقول المحايدة التي تحكم على الظواهر بميزان العقل.. وسيظل أكبر شاهد تاريخي على مثل هذه المواجهة الصارمة بين حكمة العقل وطيش الجنون تلك المحاكمة العفوية الصادقة التي أصدرت فيها الشعوب الإسلامية حكمها على الأسلوب الذي انتهجته السلطة الإيرانية في محاولة مصادرة حق المسلمين في أداء فريضة الحج في ظل مناخ الأمن والطمأنينة التي وفرتها وتوفرها لهم القيادة السعودية الرشيدة في رحاب بيت الله الحرام.
فقد أدرك المسلمون في كل مكان خفايا المخطط الإيراني لإثارة الفتنة عندما كشف قادتهم عن تلك الوجوه البغيضة والأحقاد العنصرية التي تقف وراء الدعوة الجاهلة إلى تسييس شعائر الحج، وتحويلها إلى فوضى تعم العالم الإسلامي بأسره.
ولكن قيادة المملكة بحكمتها المعتادة استطاعت أن تغلب صوت العقل على هذه الفتنة.. بل أراد الله سبحانه وتعالى أن يحرك بهذه الفتنة ضمائر المسلمين في كل مكان؛ ليستشهدوا في مؤتمراتهم وندواتهم التي عمت أرجاء بلاد المسلمين مشيدين بالحكمة السعودية في اجتثاث داء الفتنة، ورد كيد الأحقاد إلى نحورها.. وفي الوقت نفسه فقد أكدت هذه المؤتمرات واللقاءات الشعبية والصفوية في كل مكان أن اتهامات النظام الإيراني الحالية بأنها منعت الحجاج الإيرانيين من القدوم لحج هذا العام 1437هـ كله هراء؛ فها هي تستقبل جميع الحجاج الإيرانيين القادمين من أوروبا وأمريكا وأستراليا ونيوزيلندا وإفريقيا، وهم الذين تقدموا بطلب الحصول على تأشيرة الحج، وهم الآن يؤدون مناسكهم بكل يسر وسهولة.. وأكدت أيضًا الأهلية التاريخية والإسلامية للمملكة في رعاية شؤون المشاعر المقدسة، والدفاع عن القضايا الإسلامية وجمع وحدة المسلمين.. وأشادوا بالتضحيات التي يقدمها الشعب السعودي عبر رجال أمنه ودفاعه وحرسه وصحته وتجارته وكشافته ومتطوعيه لتوفير الراحة والأمن والطعام والكساء لجميع أفراد المسلمين في كل مكان.. والإمكانات الهائلة التي سخرتها القيادة السعودية ـ حفظها الله ـ لتحقيق هذه النقلة الحضارية المذهلة التي أصبحت تنعم بها أرجاء الأماكن المقدسة. بل دعت تلك المؤتمرات واللقاءات المسلمين جميعًا إلى الوقوف وقفة رجل واحد ضد ما يقوم به النظام الإيراني من أعمال ضد الأمتين العربية والإسلامية.
وفي كل هذه المؤتمرات ظلت الجموع الإسلامية تردد فيما بينها أن القيادة السعودية ظلت تعمل بصمت وبقناعة تنبع من إيمان صادق برسالتها التي أوكلها إليها الخالق البارئ.. ولم يحاولوا استثمار هذا الزخم الجماهيري المؤيد للإنجازات في أغراض دنيوية أو سياسية.. بل إن كل فرد سعودي يؤمن ويؤكد في داخله أن هذه الإنجازات من صميم واجباتهم الإسلامية والوطنية الأصيلة التي لا يحيدون عنها بأي ثمن آخر.