خالد بن حمد المالك
أشاهد بتركيز ما تنقله القنوات الفضائية من مشاهد مؤثرة في الحج. هذا شيخ طاعن في السن، يأخذه رجل الأمن بحنان، فيسقيه شربة من ماء بارد، ويرشه بشيء من الماء ذي درجة البرودة العالية لإزالة التعب والإجهاد عنه. وهذا معاق يحتاج إلى من يساعده، فإذا برجال الكشافة في موقف سباق، كل منهم يريد أن يسبق الآخر لنجدته، وتقديم الخدمة والمساعدة له. ومظاهر الحج لا تقتصر على الجوانب الإنسانية التي هذه مشاهد منها، وإنما هناك الحركة الانسيابية للمرور، والخدمات الصحية المتطورة، وما إلى ذلك من توفير كل ما يحتاج إليه الحاج من أكل وماء وملبس، واستعداد أمني لمواجهة التحديات التي قد تواجهها هذه الحشود، والحرص على توفير الأمن والراحة لها.
* *
ضيوف الرحمن هم في عين سلمان، يسكنون في وجدانه. لا همَّ لخادم الحرمين الشريفين إلا أن يعودوا إلى ديارهم سالمين غانمين؛ فقد بذل - حفظه الله - كل جهد ومال لتوفير الراحة لهم؛ ليكملوا مناسكهم، فتبقى حجتهم في الذاكرة، وتبقى الاستعدادات والإمكانات والصورة الجميلة التي رأوها رأي العين في مكة المكرمة أكبر رد على من يزعم في إيران أن المملكة غير قادرة على إدارة هذه الحشود، والمطالبة بتدويلها، وهو ما كان يدعو إليه معمر القذافي من قبل، وها هي إيران بمرشدها البليد تعيد بخيبتها ما كان يقال من قبل، ولكن هيهات هيهات أن يُسمح لها بأن تشوِّه الحج وتؤذي الحجاج، وتعبث بخرافاتها في أقدس أرض، وأطهر بقعة.
* *
الملك سلمان هو خادم الحرمين الشريفين، والمملكة هي المؤتمنة على رعاية الحرمين الشريفين، وشعبها هو الشعب المضياف لكل من يريد من المسلمين أن يحج بلا رفث ولا فسوق. وأي محاولات لاختبار قوة المملكة، ومدى تمسكها بما هو قائم من تنظيم وأسلوب عمل على امتداد التاريخ في خدمة الحرمين الشريفين، والإشراف عليهما، هي من باب الجهل والتغاضي عن حقائق الأمور، وإشغال الإيرانيين المغلوب على أمرهم بمماحكات لا قيمة لها، ولا نتائج منها؛ فالمملكة دولة ذات سيادة، وتملك القوة الضاربة للدفاع عن أي إساءة لها، ولن تسمح للإيرانيين بأن يمارسوا عبثهم وعدوانهم وتدخلاتهم في شؤون المملكة الداخلية، كما فعلوا في العراق وسوريا ولبنان، وأخيرًا اليمن.
* *
لقد منعوا حجاجهم من الحج بذرائع واهية؛ فحرموهم من شعيرة من شعائر الإسلام، وركن من أركانه، فما غيَّر هذا القرار الإيراني المثير للدهشة من إصرار المملكة على موقفها، أو اضطرها إلى التراجع والقبول بإعطاء استثناءات للحجاج الإيرانيين مما هو ملزم لغيرهم ليكونوا ضمن الحجاج الآخرين. فماذا سيفعلون العام القادم في ظل إصرار المملكة على معاملتهم كما بقية المسلمين، وهو القرار الذي لا رجعة فيه، ولا تراجع عنه، وليس هناك من مبرر مقنع لعدم الأخذ بما هو محل القبول من جميع المسلمين، والقبول بما هو محل الرضا فقط لدى النظام الإيراني فقط، وهو الذي يعرف الجميع أن الهدف منه تحويل فريضة الحج إلى ممارسات لا علاقة لها بهذه الشعيرة.
* *
غياب الإيرانيين وفَّر للحجاج ثقة واطمئنانًا وأمنًا أكثر مع غياب إرهاب الإيرانيين؛ إذ لا خوف مع غيابهم من تحويل الأراضي المقدسة إلى ساحات للتفجيرات، وإلى أماكن لنشر الفوضى، وإلى مناسبة للشعارات المريبة، وإلى حَمْل صور الخميني وتقديسها، وهو ما لا يمكن لحماة الحرمين الشريفين أن يسمحوا به، أو يرضوا عنه، أو يتسامحوا فيه؛ ما جعل النظام الإيراني يعاقب حجاجه بمنعهم من الحج، وحرمانهم من حصتهم في بلوغ الأراضي المقدسة. وهو على ما فيه من ألم للعقلاء من الإيرانيين فهو أيضًا تصرُّف أهوج لم يقابَل بالرضا من السعوديين، لكنه -على كل حال - ساعد على أداء الحجاج مناسكهم هذا العام بأفضل مما كان عليه الوضع في سنوات خلت، حين كان الإيرانيون فيها الرقم المؤذي والمريب بين حجاج بيت الله الحرام.