سعود عبدالعزيز الجنيدل
تختلف طبيعة المحادثة بين الناس، ويوجد أنماط كثيرة لها، ليس هذا مقام حصرها، ولكني انتقيت المحادثة التي تدور بين طرفين، ويكون أحدهما مسترسلاً في الكلام، كأن يكون واصفا لواقعة حصلت له، أو راويا لقصة ما.
هل يكون للطرف الآخر «المستمع» دور في هذه المحادثة؟ أم أن دوره يكمن في الاستماع فقط؟ وإذا لم يكن له دور، أيمكن أن تتم المحادثة؟
وإذا كان له دور، ومشاركة، ما هي طبيعة الدور الذي يشارك فيه؟ وهل يعد مقاطعة للطرف الأول «المتكلم»؟.
مما لا شك فيه أن طرفي المحادثة لهما دور كبير في صياغة المحادثة، ولا يمكن من وجهة نظري صياغتها اعتمادا على المتكلم، وإلا ستتحول من كونها محادثة إلى محاضرة، أو درس يلقى.
والمحادثات اليومية التي تجري عادة بين صديقين، أو زميلين... لا بد من قيام كل منهما بدوره في المحادثة حتى تتم بشكل كامل.
دور المتكلم واضح تماما، فهو الذي يسرد واقعة ما، وينطق بجمل كثيرة، يراعي فيها التسلسل المنطقي للواقعة، ولكن ما هو دور المستمع؟
يبدو من الوهلة الأولى أن دور المستمع هو حسن الإنصات!، (كلي آذان صاغية، أو على اللغة الشكسبيرية I›m All Ears ولكن هذا غير دقيق تماما، فالمستمع يكون له دور كبير في هذه الواقعة، ويتفاعل مع المتكلم.
وأرى أن تفاعل المستمع يتم بعدة طرق منها:
- التداخل بعدة كلمات، وطبيعة هذه الكلمات القصر.
- طرح أسئلة قصيرة تتعلق بالمحادثة.
- التفاعل بأصوات معينة مثل «أها».
- حركات الوجه، ومنها الابتسامة، أو التركيز بعينيه على عيني المتكلم.
- حركات الجسم، كأن يغير من جلسته.
- الحماس الذي يظهره المستمع.
هذه بعض صور المشاركة من قبل المستمع في المحادثة، ولا أتخيل محادثة ما تتم من دون تفاعل منه.
لنأخذ هذا المثال، وهو عبارة عن مقتطفات من محادثة معينة جرت بين زميلين، وسأرمز للمتكلم بـ»ك» والمستمع بـ»س»:
ك: (تصدق اليوم شفت حادث شنيع)
س: (صدق والله)
ك: (أيه والله، وأنا جاي للدوام)
س: (عسى ما فيه وفيات)
ك: (مدري بس يبدو أن فيه...)
س: (لا لا)
ك: (شفت الإسعاف مغطي كم واحد، بس ما وقفت...)
س: (اها)
ك: (الشباب كالعادة وقفوا يصورون...)
س: (طيب)
ك: (أتوقع تلقى خبر عنه في الجريدة)
س: (يمكن)
هذا الحوار المختصر يوضح تماما دور المستمع، فهو مشارك في المحادثة، وإن لم يكن حاضرا للواقعة، ولكن مداخلاته تساعد كثيرا المتكلم، وتجعله يسترسل في الكلام، ومن دون هذه المشاركة، ستكون المحادثة ناقصة كثيرا، ولن يجد المتكلم الدوافع لكي يسرد الواقعة التي شاهدها.
وإضافة لهذا التفاعل اللغوي من قبل المستمع، فقد يكون هناك تفاعل جسدي، كأن يغير من جلسته، أو يظهر الحزن، أو الفرح على محياه على حسب المحادثة التي تجري.
هذا التفاعل لا يحتاج إلى دراسة وتعليم، بل أراه يتم بشكل عفوي من قبل المستمع، وقد قامت اللسانيات الاجتماعية» Social linguistic برصده في أحد أفرعها الكثيرة.
أخيراً
قد يكون بين الطرفين تفاعل من دون كلمات، وتكون لغة الإشارة هي التفاعل الوحيد -قد أخصص له مقالاً خاصاً- ومهما يكن من أمر فالتفاعل بين المتكلم والمستمع حاصل، سواء كان باللغة أو بأشياء أخرى.
قال الشاعر:
أشارت بطرف العين خيفة أهلها
إشارة محزون ولم تتكلم
فأيقنت أن الطرف قد قال مرحبا
وأهلاً وسهلاً بالحبيب المتيم