د.محمد بن سعد الشويعر
مدح الله العقل، الذي هو هبة منه سبحانه، وميز الإنسان عن سائر المخلوقات، ولذا صار الإنسان مكلفاً من الله بالشرائع، ألم يصف سبحانه الإنسان الذي أُعطي حاسة العقل بالحيوان في قوله تعالى:{إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا} (44) سورة الفرقان.
فالله جل وعلا يدعو عباده، لاستعمال حاسة العقل، الذي وهبه لهم وفضلهم به على سائر المخلوقات ليعملوا بشرع الله، ويزدادوا له تعظيماً وطاعة ترفع منزلتهم عند خالقهم.
وقد جاءت كلمة عقل ومشتقاتها في كتاب الله 51 مرة، وكلها لإعمال العقل فيما ينفع الإنسان في حياته ويسعده بعد مماته، ولقد خص الله سبحانه العقل بأهمية التدبر، لترسيخ العقيدة ثم يظهر هذا الاعتقاد يقينا ثم عملا وأداء. وخص سبحانه النفس البشرية بذلك، لأنها أقرب شيء للإنسان ولمكانة النفس التي خوطبت بالتكليف لتعمل في الدنيا، حتى تسعد في الآخرة، وحتى يجنب صاحب العقل المدرك كل أمر فيه ضرر عاجل وآجل في دار الخلود. ولا يدرك هذه المهمة بالعمل الدنيوي إلا العقلاء، لأن العقل البشري القاصر، في إدراكه والغافل عن مهمته، يقف مندهشاً أمام عظمة الله، المتصرف في الأكوان كلها.
فكم لله سبحانه من حكمة في المخلوقات التي لا تحصى، ولا يؤدى شكرها وشكر ما في الجسم البشري من أسرار وعجائب، إلا بالتمعن والتفكر مع ربط ذلك بمهمة ذلك في الحياة، ألم يقل سبحانه: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ} (115) سورة المؤمنون.
وما ذلك إلا أن المتمعن في كتاب الله الكريم، يجد فيه دعوة للتفكر في مخلوقات الله، ومخاطبة للعقل بأن يسبح في أجواء الخيال، ليتمعن فيما حوله، ويتبصّر في عجائب قدرة الله، كما كان عبدالله بن رواحة رضي الله عنه، يقول لإخوانه: تعالوا نؤمن ساعة، لأن التمعن في مخلوقات الله من الإيمان لأنه يرى في الكون العجب العجاب، وتبرز أمامه عظمة الخالق سبحانه في ملكوته يقول جل وعلا:{سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ} (53) سورة فصلت.
فهذا الإحساس الذي شرّف الله الإنسان، ورفع به قدره بين سائر المخلوقات، إنه نتيجة عقلية في التدبر، تمكّن الإيمان بالله وأنه المستحق للعبادة، إيماناً به وتصديقاً لشرعه الذي شرعه يقول الشاعر في هذا:
وفي كل شيء له آية
تدل على أنه واحد
أي واحد متفرّد بالخلق والرزق، وهو سبحانه المعبود الذي يجب أن نصدّق بآياته ومخلوقاته وهو الواحد المستحق للعبادة.
والنفس البشرية التي نحس أنها المحور الذي تدور عليه عجلة الحياة الدنيا على الأرض، قد جعل الله العقل ميزاناً، ليميز الله به الخبيث من الطيب، الخبيث المخالف لشرع الله الذي شرع لعباده، والطيب هو شرع الله ورسالاته، وهذا الميزان هو الذي أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله الكريم: (حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا وزنوها قبل أن توزنوا، وتأهبوا للعرض الأكبر على الله) .
وما ذلك إلا أن كل ما حولنا، من حَسَن أو سيئ نلمسه ونحسه على وجه الأرض، قد جعل الله العقل حارساً عليه، فاحرص يا أخي بأن يكون حارسك أميناً وفطناً، حتى تنتفع بالطيب ويباعدك عن ضده، لأن الله كرّم الإنسان بالعقل كما قال سبحانه:{وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً} (70) سورة الإسراء.
وهذا يدلنا على عقل الإنسان، يجب أن يرتفع بصاحبه، إلى المكانة الرفيعة لأن الله سخر كل ما في هذا الكون لك أيها الإنسان، ليوجهك عقلك بحاسته الإيمانية لما فيه خيرك ومصلحتك، كما هي التوجيهات في مصدري الشريعة من الله، أو من رسوله الكريم.
فالعقل يجب أن يكون لكل واحد، حارساً أمينا ليبحث في هذين المصدرين على النافع ليوجه إليه، والضار ليحذر منه، بالاجتناب حتى يميز الإنسان الخبيث من الطيب، كما جاء في القرآن الكريم.
وللحديث بقية ....