لم تكن حادثة استهداف مسجد الرسول الأعظم في مدينة القطيف التي أحبطتها يقظة رجال أمننا البواسل الأولى فقد سبق وأن لجأت الجماعات الإرهابية إلى أسلوبها الجديد لتنفيذ عملياتها الإجرامية في المملكة، حيث أخذت تهاجم المساجد الآمنة وأماكن تجمعات المصلين، لإحداث أكبر قدر من الخسائر، واعترفت «داعش» الإرهابية بمسؤوليتها عن تلك الهجمات التي أودت بحياة 50 مسلما مصليا وإصابة العشرات، وهي سيناريوهات تستهدف في المقام الأول تخريب الوحدة الاجتماعية في المملكة وإحداث الفتن من أجل تنفيذ مخططات أخرى، إلا أن حكمة القيادة ووعي المواطنين ويقظة رجال الأمن أفسد كل هذه المحاولات اليائسة، ولا شك أن استهداف المساجد بالتفجير والتخريب من أعظم المنكرات، لأنه استهدافٌ لبيوت الله تعالى التي أذن الله تعالى برفعها وأن يُذكر فيها اسمه سبحانه وأن يُسبِّح له فيها المؤمنون بالغدو والآصال، وأمرنا بتعظيمها وتطهيرها وتطييبها، ولذلك قال تعالى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَاجِدَ اللّهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُوْلَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَن يَدْخُلُوهَا إِلاَّ خَآئِفِينَ لهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ}.
إن ما حصل من عدوان وتفجيرا للمساجد ودور العبادة بغي وجرم عظيم وقتل بغير حق للأنفس المعصومة التي حرم الله قتلها؛ بل وجعله من كبائر الذنوب، وهذه الأعمال ليس من الإسلام في شيء وإنما هو إجرام تأباه الشريعة وتنكره الفطرة السوية وترده العقول السليمة، وإن تلك الجماعات الإرهابية التي نبرأ منها ويبرأ منها الإسلام بسماحته يحاول جاهداً تقويض أركان بلادنا الحبيبة بنشر الفرقة ونشر المذهبية البغيضة والتمييز بين أبناء وطننا الواحد، فهم دعاة شر وفتنة وضلال وفساد ودمار, ومحاولة تفريق هذا المجتمع من خلال زرع الفتن واستهداف المصلين الآمنين أمر منكر معلوم تحريمه من الدين بالضرورة»، وإن تكرار استهداف المساجد باستخدام التفجيرات هو مسلسل إجرامي خبيث، لإيقاع العداوة بين المسلمين والوطن الواحد فالتنظيمات الإرهابية استغلت صغار السن الذين لا علم لهم ولا بصيرة وجعلتهم حطبا ووقودا لحرب طائفية تخوضها إيران وأذنابها في المنطقة، وهؤلاء الجهلة من المنفذين ما هم سوى عبوات ناسفة يلقى بها في مساجدنا ودور العبادة لتحقيق أهداف إيران القذرة في نشر الطائفية البغيضة التي تعلم أنها سلاح فتاك وقوي لهدم لحمة ونسيج أي وطن تحل به،كما تفعل الآن إيران المجوسية في العراق ولبنان واليمن والبحرين والكويت وباكستان وأفغانستان وغيرها من دول العالم الإسلامي والعربي، وهي سياسة تعكس الحقد الديني والتخبط السياسي لطهران وأحلامها الواهنة التوسعية، وإن استهداف المساجد وأماكن العبادة من قِبل داعش وكل من يقف خلفها من الأجندة الدولية وعلى رأسها ملالي طهران وزبانية بشار الأسد وحسن نصر الله هي خطوة يائسة لخلق الفتنة والطائفية والإخلال بالأمن وإشاعة الفوضى في البلاد وضرب اللحمة الوطنية، فالإرهاب مرض فكري ونفسي واجتماعي وعقائدي لا دين له ولا هوية، فبلادنا مستهدفة من هذه الفئات الضالة, ومن الكائدين للإسلام والمسلمين, لتميزها بتطبيق الشريعة الإسلامية, ولكونها تحتضن بيت الله الحرام ومسجد رسوله - صلى الله عليه وسلم -, وفيها مهبط الوحي, ومبعث سيد الأنبياء والمرسلين، ولمواقفها المشرفة والعادلة من القضايا العربية والإسلامية ودورها المحوري في المنطقة من اجل التأثير عليها وعلى مواقفها وسياستها في المنطقة المنحازة لشعوب على حساب أنظمته الجائرة، كما يحدث في سوريا من قتل بشار لشعبه بالكيماوي والبراميل المتفجرة، والمضحك المبكي بل والمخجل أن تصح إيران بعد كل هجمة إرهابية على مساجدنا هي من تقف خلف وتقول (أن تكرار استهداف المساجد يدل على إهمال القوى الأمنية. وهي التي لا يوجد في عاصمتها طهران مسجد واحد بل أنها هدمت حتى مساجد الأحواز العربية المحتلة كحال بقية مدنها، ثم يرافقها الطبل الناعق في العراق التابع لها ليقول (حمّلت جماعة علماء العراق السلطات السعودية مسؤولية حماية المساجد) وقبلها طالبت طهران مشاركة دول التحالف الدولي لمكافحة الإرهاب في سوريا لقتال داعش وهي جزء من المشكلة في قتل الشعب السوري وسبب استمرار النظام السوري قائم حتى الآن مع وروسيا التي تذكي الصراع الطائفي بالشرق الأوسط، فالحروب العقائدية حروب بالوكالة تسعى من خلالها إيران وكل من يقف خلفها إلى استهداف المساجد والأماكن الدينية ويهدف لإشعال الفتنة والطائفية وتهديد وحدة النسيج الاجتماعي. ولاشك أن هذه الأعمال الإجرامية تستفيد منها إيران بدرجة الأولى، فكل جريمة أو حادث إرهابي في عالمنا الإسلامي والعربي ابحث عن الدور الإيراني فهي تقف خلف كل جريمة إرهابية في منطقتنا (فأينما حل الخراب في بلد عربي فتش عن إيران)، لأن هناك مسلسلاً إجراميًا خبيثًا، يسعى إلى تشويه صورة المسلمين وإيقاع العداوة بينهم تقوده إيران بتعاون مع قوى صهيونية عالمية بهدف تقسيم المنطقة لدويلات وإعادة رسم خارطة المنطقة ووجدت أن سلاح الطائفية والإرهاب هو الخيار الأمثل لها، وإننا في المملكة العربية السعودية نؤكد لقوى الظلام والإرهاب وكل من يقف خلفها من أجندات خارجية أن الجرائم الإرهابية لن تزيد أبناء الشعب السعودي إلا اجتماعًا على الكلمة ووحدة الصف مع القيادة في البلاد، وأن كل من يراهن على إشعال نار الفتنة الطائفية والفرقة بين أبناء الوطن الواحد فهو بكل تأكيد خسران مندحر بإذن الله، وأن الإرهاب لن يجد مكانا ولا مأوى آمنا في بلاد الحرمين وانه مدحور مهزوم بتوفيق الله ثم برفع الحس الأمني لكل مواطن ومواطنة، وبلادنا بلاد الحرمين الشريفين والمقدسات الإسلامية أكبر وأصعب من أن تخترق بواسطة إرهابي خبيث، همه نشر الفرقة والفتنة بين أبناء الوطن الواحد، وأنه مهما قامت به هذه التنظيمات الإرهابية المجرمة من أعمال متوحشة وفاسدة ودموية منحرفة فلن تنال من نسيج هذا الوطن الغالي والمتماسك، بل سيعزز التلاحم بيننا، وكلنا ثقة بقدرة المملكة حكومةً وشعباً تحت القيادة الحكيمة لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بعبدالعزيز على وأد نار الفتنة ومحاسبة المتورطين في هذه الجرائم الإرهابية وتقديمهم إلى العدالة، وأن حكومتنا الرشيدة - أيدها الله والجهات الأمنية المتمكنة بإذن الله ستواصل جهودها الحثيثة والموفقة في محاربة الإرهاب واجتثاث منابعه في جميع مناطق المملكة، وأن «هذه البلاد ستظل -بإذن الله- صامدة وقوية بالله أولاً، ثم بولاة أمرها الذين يحكمون الشريعة ويحققون العدل، ويقيمون شعائر الإسلام، وبإخلاص المواطنين والتفافهم حول ولاة أمرهم، وسعيهم إلى الوحدة ونبذ الفرقة، وكل ما يخل بأمن هذا الوطن واستقراره» أن هذه الحوادث الإرهابية لا تزيد الشعب السعودي الكريم إلا إيمانًا بالله تعالى، ثم بضرورة المحافظة على بلاد الحرمين الشريفين من اجتماع الكلمة ووحدة الصف حول قيادتنا المتمثلة في خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز وولي عهده وولي ولي العهد، وكلنا ثقة برجال أمننا البواسل الذين يبذلون جهودا جبارة في محاربة الإرهاب ونشيد بدورهم البطولي ويقظتهم التي أصبحت تملك الخبرة الكافية والاستراتيجيات العالية، ونعلم أن أصحاب الفكر الإرهابي لجأوا إلى المساجد بعد ثبوت جاهزية الأمن السعودي في تأمين وتحصين جميع المنافذ الإستراتيجية أمامهم من مقرات حكومية، ولأنّ التنظيم يحارب بيوت الله ويهدمها ويفجّرها في مسعى منه لاستهداف أكبر تجمع من المواطنين، ورجال الأمن إضافة إلى كونها أماكن يصعب تأمينها، لكننا في ظل هذه الظروف الصعبة يتحتم علينا جميعاً أن نتكاتف وأن نكون على قلب رجل واحد، وذلك لتفويت الفرصة على أرباب الإرهاب والفكر الضال، ولا بد لنا جميعاً أبناء هذا الوطن الكريم أن نكون عينا وأذنا للدولة كما هو ديدننا دائماً وكي لا يجدوا من يتعاطف معهم في بلادنا؛ إذ إن التعاطف مع هذه الفئة الدموية والمتوحشة جريمة بكل المقاييس؛ ولا من يدعمهم ولا من يمولهم ولا من يدعو لهم لأن ذلك من التعاون على الإثم والعدوان، وأن يعي الجميع في هذا الوطن المقدس أن المسافة الفكرية بين فعل الإرهاب والتحريض عليه، مسافة قصيرة.
لذلك من الضروري الوقوف بحزم ضد كل من يحرض على العنف والإرهاب وتكريس الطائفية في هذا الوطن المتوحد وندرك جيدا أن صمتنا على المحرضين والمغطين لفعل الإرهاب، يعني سماحنا بتأسيس جيش من الإرهابيين والقتلة. لهذا لا يمكن أن ننجح في مشروع محاربة الإرهاب، ونحن نمارس الصمت إزاء عمليات التحريض والتعبئة الطائفية والمذهبية، ومن الضروري أن نعمل جميعاً في هذه الفترة لتصليب وحدتنا الوطنية والاجتماعية، وإفشال أهداف الإرهابيين والذين يستهدفون بهذه الجرائم الطائفية وحدتنا وتلاحمنا الداخلي، ولهذا نحن بحاجة إلى المزيد من التلاقي الوطني، من أجل سد الثغرات ومعالجة الأمراض، والوقوف صفاً واحداً ضد الإرهاب والإرهابيين، وأن ندرك جيدا أن الشيء الوحيد الذي يمنع انزلاق مجتمعنا إلى ما انزلقت إليه المجتمعات الأخرى، هو وحدتنا وتفاهمنا العميق مع بعضنا، ومنع كل عمليات التحريض، ليثبت الإنسان على هذه الأرض أن السعودية الدولة الوحيدة التي لا يوجد بها طائفية أو مذهبية أو قبلية، وأن أبناء الوطن وبناته، كباره وصغاره يد واحدة ضد من يعبث بالأمن والأمان، ونسأل الله أن يحفظ على المملكة أمنها وأمانها ورخاءها وعزها واستقرارها، وأن يكفي البلاد والعباد شر من به شر وأذى من به أذى، إنه سميع مجيب.
- باحث في الشؤون الأمنية والقضايا الفكرية ومكافحة الإرهاب والأمن الإلكتروني
alhdla.m@gmail.com