حمّاد السالمي
- للمسلمين عيدان في العام الواحد، يفرحون فيهما بكيفية خاصة، كما أخبر بذلك نبي الهداية ورسول الهدى صلوات الله وسلامه عليه هما: (عيد الفطر وعيد الأضحى)، فهل منهما عيد صغير وعيد كبير..؟
- الواقع أن ثقافة الشعوب العربية والإسلامية هي المتسبب في هذا التقسيم؛ وذلك تبعًا لاهتمامات كل شعب ومجتمع وظروفه الحياتية.
- المجتمع السعودي يكاد يكون الوحيد بين كل مجتمعات العرب والمسلمين؛ الذي يقلب الموازنة، فينصب اهتمامه واحتفاؤه بعيد الفطر أكثر من عيد الأضحى، حتى ليبدو الأمر وكأن عيد الفطر هو العيد الكبير، وعيد الأضحى هو العيد الصغير، وليس لهذه الحالة المتفردة غير تفسير واحد، هو عنايته الكبيرة بشهر الصوم، ومن ثم يأتي عيد الفطر متوجًا لهذه العناية المحفوفة بالاجتهاد في الصيام والقيام والصدقات وأعمال الخير، حتى أن الاحتفال بأيام عيد الفطر قد يمتد إلى ثلاثة أيام وأكثر، وتدخل في إجازة رسمية للموظفين والطلاب قد تطول، بينما عيد الفطر في عديد البلدان العربية والإسلامية؛ هو يوم واحد فقط، وإجازته يوم واحد.
- العكس من هذا تمامًا في حالة عيد الأضحى، فهو عند المجتمع السعودي عيد عبادة وعمل معًا. إن اهتمامات المجتمع السعودي في عيد الأضحى تنصب على استقبال الحجيج وخدمة ضيوف الرحمن، حتى أولئك الذين هم خارج نطاق الحرمين والمناسك، لهم أهل وأقارب يحجون أو يخدمون ضيوف الرحمن، فلا يوجد بيت واحد في السعودية إلا وهو مهموم بأمر الحج والحجاج، وكثير من المدن في المملكة هي معابر ذهاب وإياب للحجاج، والجو العام كله ينصرف من فرح العيد إلى فرح خدمة ضيوف الرحمن، لهذا يؤجل بعضهم ذبح الأضحية لحين عودة هذا القريب، ليبدو عيد الأضحى في مجتمعنا عيدًا أقل عناية واهتمامًا من عيد الفطر، ولا يميزه إلا التضحية وتبادل التهاني التي تقلصت من المواجهة إلى المحادثة بالهاتف، ثم المراسلة عبر الأجهزة الذكية، فاقدًا الروح التي كانت بين الناس في أزمنة فارطة.
- والأمر على خلافه في معظم المجتمعات العربية والإسلامية، لأن عيد الأضحى في ثقافتهم هو يوم ترقب وانتظار لأهل وأحبة يؤدون فريضة الحج في الأراضي المقدسة، فأيام انتظارهم تطول، والفرح بعودتهم تسبقه مراسم استعدادات وتجهيزات؛ بحجم الحدث الكبير الذي يستدر الدموع مثلما كان يوم الوداع.
- تختلف طقوس الاحتفال بعيد الأضحى من مجتمع مسلم إلى آخر، وذلك حسب ثقافة كل بلد. ثمة تفاصيل يلتقي عندها كل المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، من أهمها التقرب الى الله بأضحية تقدم بعد صلاة العيد، ومنها اشتق الاسم الذي يعرفه الجميع وهو عيد (الأضحى). لكن الكثير من المجتمعات العربية والإسلامية يطلقون عليه: (العيد الكبير)، وخاصة في مصر، وتونس، والجزائر، والمغرب، وموريتانيا، ويقال له في البحرين: (عيد الحجاج)، وفي إيران وإندونيسيا وبلدان إسلامية كثيرة فهو: (عيد القربان).
- ومع أن مفهوم تقديم الأضحية في عيد الأضحى هو المفهوم السائد عند كافة المجتمعات العربية والإسلامية؛ إلا أن العديد منها يحيي هذه المناسبة بطرق لا تخلو من غرابة وطرافة.
ففي ليبيا على سبيل المثال؛ يتم تكحيل عين الخروف بالكحل العربي، ثم تشعل النيران والبخور، ويهللون ويكبرون قبل الذبح.
« وفي فلسطين؛ يذهبون لزيارة موتاهم وتقديم الطعام لطالبيه حول المقابر. وفي الجزائر يقوم المحتفلون بتنظيم (مصارعة الكباش) قبل حلول عيد الأضحى، وسط حشود من المشاهدين، ويفوز الكبش الذي يجبر الآخر على الانسحاب. أما في اليمن؛ فيقوم رب الأسرة مع الأولاد بزيارة حمامات البخار الشعبية قبل حلول العيد بيوم واحد، ويرممون المنازل وطلاء القديم منها، وبعد صلاة العيد؛ يزورون أقاربهم، ويخرجون للصيد بالأسلحة النارية. وفي البحرين؛ يحتفل الأطفال بإلقاء أضحيتهم الصغيرة لعبة (الدوخلة) في البحر. مرددين أنشودة من التراث البحريني.
- أما في المغرب؛ فيتم تعليق ملصقات إعلانية كبيرة بشوارع المدن تحمل صوراً لكباش (حِوالة- حَولي). حيث تتنافس شركات الإعلان لجذب الزبائن ومنها: (اشتر خروف وخد معاه دراجة هدية)..!
ويستمر عيد الأضحى في المغرب ثلاثة أيام : يوم (الشوا)، أي (الشواء)، ويوم (الريوس)، أي (رؤوس الأضاحي).. ثم يوم (القديد). وقد اعتاد أغلب المغاربة ألا يأكلوا من لحم الأضحية في اليوم الأول للعيد. فبعد تفريغ جوفها، والظفر بالكبد الملفوف بالشحم مشويًا؛ وهو ما يطلق عليه (الزنان) أو (الملفوف) حسب المناطق كأول وجبة يوم العيد. ومن العادة أن يمر (بوجلود) على البيوت طالبا (جلدة الحَولي- الخروف)، ويتجمع حوله الأطفال وهو يؤدّي حركات طريفة تضحكهم. و(بوجلود)؛ شخص يلبس فروة الخروف؛ حتى يبدو على هيئته بقرنين على رأسه.
- ولا يختلف الأمر كثيرًا في تونس، فالأضحية في العيد الكبير (العَلّوش)، يحرص عليها كل بيت، وتهتم الأم التونسية بتدريب صغيراتها على الطبخ في هذا اليوم، فيطبخ البنات من لحم (العَلوش) (الزغديدة).
- أما في الصين؛ فيقوم المسلمون بممارسة لعبة خطف الخروف؛ حيث يتأهب أحدهم وهو على جواده، وينطلق بسرعة لاصطياد هدفه، ولابد من التقاطه بسرعة ودون أن يسقط من على جواده، ثم تنتهي اللعبة بمن استغرق وقتًا أقل في اختطاف خروف العيد من الأرض، وبعد الفوز؛ يجتمع ذكور الأسرة حوله، ويشرعون في قراءة آيات قرآنية لخمس دقائق، ثم يقوم كبير الأسرة بذبح الخروف، من ثم يتم تقسيمه بواقع ثلث للتصدق، وثلث للأقرباء، والثلث الأخير للأسرة المضحية.
وفي باكستان؛ يتم تزيين الأضحية قبل العيد بشهر كامل، كما يصومون عشر ذي الحجة، ولا يتناولون الحلوى في عيد الأضحى.
- عيدكم مبارك أيها الأحبة.. كل عام وأنتم بخير.