«الجزيرة» - وحدة الأبحاث والتقارير الاقتصادية:
تعتبر المملكة واحدة من أقل الدول فرضا للضرائب.. فعلى مدى العقود الماضية وفي ظل الضخ النفطي والإيرادات المتزايدة لم تكن كافة دول مجلس التعاون الخليجي بحاجة للتفكير في إجراء أي تعديلات للهيكل الضريبي، حتى أن دول المجلس كانت تتنافس فيما بينها لتكون الأقل على المستوى العالمي في فرض الضرائب بشكل جعلها بيئات صحية ومواتية للاستثمار الأجنبي الذي لم يكن يجد أي مشكلات تتعلق بدفع الضرائب.
ويصنف البنك الدولي المملكة في المرتبة الثالثة عالمياً فيما يتعلق بسهولة دفع الضرائب وتدني معدلاتها .. ولكن مع المستجدات على الساحة المحلية ومع إطلاق رؤية 2030 فإن المملكة تسعى الآن للبحث عن مصادر غير تقليدية للإيرادات والتي يأتي على رأسها الضرائب .. لذلك، فإن هناك حراكا كثيفا يسير في طريق إصلاح شامل للهيكل الضريبي.
5.3% معدل إيرادات الضرائب
إلى الناتج بالمملكة
لم نكن نهتم بمراجعة هذا المعدل مطلقاً، لعدم احتياج المملكة للنظر في هيكل ضرائبها نظراً لكفاية الإيرادات الحكومية من النفط .. ولكن بمراجعة هذه المؤشرات اكتشفت وحدة الأبحاث والتقارير الاقتصادية بـ «الجزيرة» أن المملكة ربما تقع ضمن العشرة دول الأقل في إيرادات الضرائب عالميا مقارنة بناتجها المحلي الإجمالي.. وتشير القراءة المبدئية إلى أن المملكة تعتبر سادس أقل دولة من حيث معدل العوائد الضريبة إلى الناتج المحلي الإجمالي.
ويصل المعدل إلى 5.3 % بالمملكة مقارنة بنحو 1.4 % بالإمارات و1.5 % بالبحرين و2.2 % بقطر وحوالي 2.0 % بسلطنة عمان. إلا أن هذه المعدلات تعتبر متدنية للغاية، مقارنة بمتوسط يصل إلى 34.8 % بدول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية والذي هو مؤشر للدول الصناعية عموماً.. في المقابل، يصل هذا المعدل إلى ما بين 15 % إلى 23 % بالدول النامية عموماً. أما على المستوى الفردي، فيصل معدل عوائد الضرائب إلى الناتج حوالي 46.1 % بفرنسا ونحو 42.6 % بإيطاليا و40.6 % بألمانيا و39 % ببريطانيا وينخفض ليصل إلى 27 % باليابان و26.9 % بالولايات المتحدة الأمريكية، أي أنه لا توجد دولة صناعية أو متقدمة يقل معدل عوائد ضرائبها عن 25 %، وهو المعدل الذي نعتقد أنه يمثل توازنا بين عوائد الضرائب والناتج المحلي الإجمالي، بحيث يفترض أن تكون إيرادات الضرائب في حدود الثلث تقريباً.
لذلك، فإن الإصلاح الضريبي بالمملكة يعتبر أمراً منطقياً، وقد تأخر بالفعل حدوثه والنظر فيه.. فإذا كان الناتج المحلي الإجمالي وصل بالمملكة إلى نحو 2423 مليار ريال حسب إحصاءات عام 2015، فإن عوائد الضرائب الحالية تقدر بنحو 128 مليار ريال فقط، وذلك بناء على معدل ضريبة لا يتجاوز 5.3 %.. أما إذا افترضنا أنه تم إصلاح الهيكل الضريبي بالمملكة ووصل إلى حدود معدله بالولايات المتحدة الأمريكية وهو المعدل الأقل فيما بين الدول الصناعية الكبرى (26.9 %)، فإن المملكة يمكن أن تجني 652 مليار ريال كعوائد ضرائب، وهو يمثل قيمة كافية لتمويل النسبة الأكبر من الانفاق الحكومي بالموازنة الحكومية، وعندها يمكن أن نعتبر أنه لا توجد أي مشكلة اقتصادية.
أهداف الإصلاح الضريبي
يتمثل الهدف الأول لأي إصلاح ضريبي في زيادة النمو الاقتصادي، وأن يكون ارتفاع إيرادات الضرائب ليس كنتيجة لارتفاع معدلاتها، بل كنتيجة لازدياد معدل النشاط الاقتصادي وارتفاع أرباح الشركات.. مع مراعاة تحقيق العدالة وفرض الضريبة على القادرين على دفعها، وتخفيف آثارها على الفئات غير القادرة.
وتنقسم الضرائب إلى ثلاثة أشكال رئيسة، هي: الضرائب على الانفاق والتداول ومن أمثلتها الضرائب الجمركية وضريبة المبيعات والقيمة المضافة، الضرائب على الدخل والأرباح ومن أمثلتها ضرائب على الدخل الشخصي وضرائب على أرباح الشركات، والضرائب على الثروة والإرث ومن أمثلتها ضريبة امتلاك العقار وضريبة التركات.
الضرائب الحالية المفروضة بالمملكة
تقوم هيئة الزكاة والدخل بدور تحصيل الضرائب والزكاة على الشركات.. وباختصار فإن الرواتب والأجور في المملكة مُعفاة من ضريبة الدخل، ويلتزم المواطنون والشركات السعودية بدفع الزكاة عن أموالهم، والتي تبلغ 2.5 % من وعاء الزكاة، أمّا العاملون الأجانب والشركات المقيمة فهم مُعفون منها.
وتحدد وزارة المالية الوضع الضرائبي للشركات الأجنبية والأفراد المستثمرين الأجانب، حيث تبلغ قيمة الضريبة المعتادة على الأفراد المستثمرين المقيمين والشركات المقيمة 20 % من الوعاء الضريبي، فيما يمكن ترحيل أي خسارة مالية لتعويض الضرائب في المستقبل.
ويسمح النظام بإعادة إرسال رأس المال والأرباح وأرباح المساهمين إلى دول أخرى، مع خضوعها إلى ضريبة استقطاع تتراوح ما بين 5 % إلى 15 %، بناءً على عوامل مختلفة مثل نوع النشاط الاستثماري. ولا تفرض رسوم الاستيراد على السلع التي تدخل المملكة ليتم إعادة تصديرها، ولا على السلع ذات الاستخدام الصناعي والتي لا تتوفر في المملكة من مواد خام ومعدات وقطع غيار.
وببساطة تفرض المملكة نوعين من الضرائب: الأول الزكاة، والثانية ضريبة الدخل، وهي ثابتة إلا في القطاع النفطي حيث تصل إلى 85 %.
عوائد الهيكل الضريبي الحالي بالمملكة
أعلنت مصلحة الزكاة والدخل أن حصيلتها لعام 2015 بلغت 643 مليار ريال، تتوزع على 616 مليار ريال ضريبة شركات البترول، 14.2 مليار ريال زكاة عروض التجارة، 8.2 مليار ريال ضرائب الدخل على الشركات، 5.7 مليار ريال ضريبة الاستقطاع، و38.3 مليون ريال الغرامات وأخرى.
ويتم تحويل هذه العوائد لحساب مؤسسة النقد لصرفها على مستحقي الزكاة المسجلين لدى وكالة الضمان الاجتماعي بوزارة الشؤون الاجتماعية.
إصلاح الضرائب
على الدخل بالمملكة
يشير أحد تقارير منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، إلى أن أعلى خمس دول صناعية تستقطع ما بين 25 % إلى 42 % كعوائد ضريبية على دخل الأفراد، حيث تستقطع بلجيكا حوالي 42.6 % من الدخل، موزعة على 26.6 % كضريبة على الدخل و2 % ضريبة للدولة و14 % للضمان الاجتماعي.. في المقابل تستقطع الولايات المتحدة 24.6 % من الدخل تتوزع إلى 10.7 % كضريبة على الدخل و6.3 % كضريبة للدولة و7.7 % للضمان الاجتماعي.
لذلك، فإن النظام الضريبي بالمملكة لو افترضنا أنه سيحصل نفس عوائد الضريبة على شركات النفط، فإنه يحتاج إلى إصلاحات جوهرية في ضريبة الدخل على الشركات والتي لم تتجاوز قيمة 8.2 مليار ريال، وهي قيمة زهيدة لا تتناسب مع عدد الشركات أو المصانع أو حجم الدخول المحققة بالاقتصاد السعودي سواء كشركات سعودية أم أجنبية.
الأشكال المقترحة
سرت أطروحات في الإعلام، بأن هناك نية لفرض ضرائب قيمة مضافة وأيضاً ضرائب على الوافدين وثالثا ضرائب على النشاط الاقتصادي، هذا غير الرسوم الجديدة المقترحة على الخدمات البلدية.. إلا أنه ينبغي الحذر والحرص على عدم تداخل الضرائب والرسوم، ثم الاهتمام بفترة فرضها، وعدم تزامنها مع فترات الركود، لأنها تصعب انتعاش النشاط.
الأمر الأكثر أهمية، أن المملكة تنتقل الآن من مرحلة اللاضرائب إلى مرحلة الضرائب، وقد يكون من المناسب إعطاء تدرج زمني على فترات طويلة نسبية حتى يتم الاعتياد على تحمل ضرائب على الدخل أو النشاط تحديدا، والأكثر أهمية مراقبة الأسعار مع كل ضريبة جديدة.