محمد سليمان العنقري
يعاني السوق ضعفًا في الأداء منذ بداية العام الحالي بشكل أوسع من العام الماضي مع تراجع متوسط التداولات بنسبة تصل إلى 60 في المائة من حوالي خمسة مليارات ريال يوميًا العام الماضي إلى ما يقارب ملياري ريال حاليًا وعلى الرغم من عديد الإجراءات التي اتخذت من قبل هيئة سوق المال لرفع كفاءة وجاذبية الاستثمار في السوق، إلا أن أحجام السيولة ما زالت تتراجع حتى مع بروز العامل الأهم لجذب المستثمرين وهو مستويات أسعار الأسهم وتقييمها المالي الجذاب، حيث تتداول حوالي 32 شركة بمكررات أقل من عشر مرات و37 شركات تتداول بمضاعف قيمة دفترية أقل من واحد، وهي كلها تعد من عوامل جذب المستثمرين، إضافة لنسبة التوزيعات التي تتخطى بالعديد من الشركات 5 في المائة سنويًا وتبقى أفضل بكثير من مقارنتها بأسعار الفائدة وعديد من الفرص البديلة.
لكن يبقى للعزوف عن السوق المالي واقتناص الفرص بصورة تظهر حجم تدفق مالي جيد للسوق هو محور التساؤل والاستغراب لدى كثير من المتعاملين أو المختصين خصوصًا أن آخر التقارير الاحصائية الرسمية عن السوق أظهرت وجود تمويل للاستثمار موجود بمحافظ المستثمرين بحجم 7 مليارات ريال لم يتم استخدامها إلى الآن، وعلى الرغم من أنه يمكن ربط كثير من الأسباب بالأداء الضعيف للسوق وكلها يمكن اعتبارها أسبابًا موضوعوية وجوهرية كشح السيولة وارتفاع كلفة الإقراض أو عدم تعافي الاقتصاد العالمي أو الأحداث الجيوسياسية وأيضًا تقلبات أسعار النفط إلا أن هناك عاملين أساسيين يعدان أكبر ما يؤثر على أداء السوق والشركات المدرجة بالمرحلة الحالية.
ففي الوقت الذي تبدو فيه السياسة النقدية مرنة بسبب انخفاض أسعار الفائدة الأساسية والتدخل بضخ سيولة من مؤسسة النقد بالاقتصاد عبر الودائع بالبنوك، إلا أن توجهات السياستين «المالية والاقتصادية» تسيران باتجاه مختلف فتراجع حجم الإنفاق الحكومي على المشروعات بنسبة كبيرة بلغت حسب بعض الدراسات من بنوك محلية حوالي 50 في المائة ولم تكن متدرجة خصوصًا عند المقارنة مع آخر عامين أثر سلبًا على نتائج أغلب قطاعات السوق الرئيسة كالبنوك والأسمنتات وقطاعات التجزئة والاتصالات وكلها ذات تأثير كبير جدًا على حركة وتقييم السوق المالي فما يحدث في السوق ما هو إلا انعكاس لتراجع النمو الاقتصادي بشكل كبير هذا العام حيث وصل النمو إلى 1.5 في المائة وفق هيئة الاحصاءات والمعلومات كأقل نمو منذ عدة سنوات
أما العامل الآخر هو السياسة الاقتصادية التي تتولى ملفها وزارة الاقتصاد والتخطيط من حيث الاتجاه لسياسات جديدة بإعادة توجيه الدعم الذي بدأ بخفضه تدريجيًا من هذا العام ويضاف لذلك الاتجاه لتحسين إيرادات عديد من الأجهزة الحكومية ورفع أدائها ودورها بالإشراف والرقابة الذي تم تضمينه لبرنامج التحول الوطني مما يعني أن المستثمر ينتظر قياس عاملين أساسيين الأول يتمثل بمدى تأثير كل هذه التغيرات على نتائج الشركات ومؤشر التضخم العام، أما الثاني فهو أداء الشركات التشغيلي وكيف ستغير من أساليبها كي تستوعب تغيرات التكاليف وترفع من تنافسيتها واعتمادها على قوة أدائها التشغيلي بعيدًا عن الاعتماد على التحفيز الذي اعتادت عليه لعقود ولذلك فإنه بقدر ما توضح وزارة الاقتصاد والتخطيط خطتها بتفصيل كامل لكل توجهات تحسين الإيرادات العامة وتحرير القطاعات الاقتصادية للسنوات المقبلة حتى نهاية خطتها كاملة فإن السوق سيتغير أداؤه بسرعة أكبر لأنه سيمكن للمؤسسات المالية والمستثمرين تقييم الفرص للمستقبل بدقة أكبر.
السوق المالية تمر بمرحلة تعد مؤقتة تنتظر خلالها اتضاح عديد من الاتجاهات والتحولات في الاقتصاد المحلي وأداء الشركات والقطاعات عمومًا وحتى تكتمل الصورة لكل ما يتم عمله حاليًا من إصلاحات وهيكلة اقتصادية فإن المستثمر سيبقى مترقبًا والأداء في السوق سيبقى متقلبًا ويدور بمنطقة قليلة المخاطر قبل أن ينتقل للاستقرار والتحسن التدريجي الذي سيتواكب مع تطور نتائج كل قطاع وشركة مستقبلاً بحسب السياسات الاقتصادية العامة القادمة وكفاءة الأداء التشغيلي للشركات.