لقد هيأ الله لي فرصة المشاركة في وفد جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية برئاسة معالي مدير الجامعة الأستاذ الدكتور سليمان بن عبدالله أبا الخيل لزيارة جمهورية باكستان، التي جاءت بموافقة من مقام خادم الحرمين الشريفين حفظه الله، لحضور حفل التخرّج العاشر لطلبة الجامعة الإسلامية بإسلام آباد، ومعالي الأستاذ الدكتور يشغل منصب نائب الرئيس الأعلى للجامعة، كما كان من برنامج الزيارة حضور ندوة «الجامعة الإسلامية بإسلام آباد ودورها في تعزيز العلاقات الباكستانية العربية، المملكة العربية السعودية أنمودجاً»؛ وذلك في أروقة ومرافق الجامع المبارك جامع الملك فيصل بإسلام آباد، وكذلك حضور مؤتمر: مكانة المملكة العربية السعودية ودورها في الدعوة والتعليم وحماية الحرمين الشريفين «الذي نظّمته جمعية أهل الحديث المركزية بلاهور.
كما تخلّل الزيارة لقاءات مع مسؤولين كبار كوزير الدولة للتعليم، ورئيس هيئة التعليم العالي الباكستانيين، ووزير التعليم بإقليم البنجاب، وغيرهما، فقد كان برنامج الزيارة الذي اعتمده معالي مدير الجامعة مكثفاً جداً، وكم كان مرهقاً لأعضاء الوفد، ولا عجب فقد كان البرنامج مفصلاً على مقدار النشاط والحزم الذي تتمتع به النفوس الكبار، وقد قدرت فترة راحة معاليه في تلك الزيارة فلم تتجاوز أربع ساعات.
البرنامج المكثّف، ومستوى اللقاءات التي تخللته، والدقة في تنفيذ البرنامج كلها شواهد صدق على نجاح الزيارة، ومؤشرات دالة على جودة التخطيط لها، إلا أن المعنى الذي كان حاضراً في هذه الزيارة منذ بدايتها حتى صار هو العنوان الأبرز والشعار الأشهر لكل مراحلها، هو معنى (الريادة والسفارة)، وهو معنى أرشحه ليكون مقياساً لنجاح الزيارات الرسمية، فإن الزيارات الرسمية للمسؤولين ينبغي أن تحتكم لمعنى الريادة والسفارة، فما هذا المسؤول إلا رائداً لبلده ينبغي ألا يكذبهم، ومبتغياً للخير لهم فينبغي ألا يقصر، وسفير صدق لدينه وولاة أمره ومجتمعه فيجب عليه أن يحسن السفارة... أما معالي الأستاذ الدكتور سليمان بن عبدالله أبا الخيل فأشهد بالله أنه نعم رائد القوم الذي لم يكذبهم، ونعم السفير الساعي بالخير والصلاح، ونعم الحامل لرسالة بلده في المحافل... لقد كان معاليه واعياً لدور الريادة والسفارة المنتظر من أمثاله... فكان معاليه يستثمر كل لحظة ليشرح منهج بلده ورسالتها، وكل موقف ليربط روابط الأخوة، ويزيد عقدها بين الأشقاء في الباكستان والمملكة العربية السعودية... كان يشرح ويوضح مزايا بلده والمقاصد الكبرى لولاة أمره في القيام بدين الله والتمسك بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وفق فهم السلف الصالح الحفاظ على مصالح المسلمين، وأتذكّر أنه قبل حفل تخريج طلبة الجامعة الإسلامية بإسلام آباد، استثمر معاليه لقاءً عُقد بينه وبين الرئيس الباكستاني فخامة الرئيس ممنون حسين وهو الرئيس الأعلى للجامعة الإسلامية بإسلام أباد، فقد خرج معاليه متهلل الوجه يقول لنا: تحدثنا نصف ساعة، تحدث الرئيس خمس دقائق منها، وتحدثت خمساً وعشرين دقيقة، بيّنت له رسالة المملكة العربية السعودية في حماية المقدسات وحفظ الدين وترسيخ معنى الوسطية في العالم الإسلامي، وشرحت له احتياجات الجامعة الإسلامية بإسلام آباد، ودورها الرائد في العالم الإسلامي.
وفي كلمة معاليه في حفل التخرّج بين لآلاف الطلبة وأولياء أمورهم ما تقوم به المملكة العربية السعودية من حسن الرعاية للمقدسات والحرمات والقيام بالدين على منهج السلف الصالح، وعمق العلائق الإسلامية بين أبناء المملكة العربية السعودية وأبناء جمهورية باكستان... ولقد كان حديث معاليه صادقاً أحسب أنه بلغ مكامن اليقين في قلوبهم.
وخلال رعاية معاليه لمؤتمر (مكانة المملكة العربية السعودية ودورها في التعليم والدعوة وحماية الحرمين الشريفين) الذي نظّمته جمعية أهل الحديث المركزية بلاهور، وكان قد حضره جمع غفير من العلماء والباحثين والمهتمين، ألقى معالي الشيخ كلمة مؤصلة عن حول التمسك بالكتاب والسنة، ولزوم طريقة السلف في فهم الكتاب والسنة، وأن هذا المنهج يجمع ولا يفرق، ويوحد ولا يشتت، وأنه هو الطريق الأمثل لمواجهة البدع والمحدثات والمتغيّرات الفكرية، وضرب لذلك مثلاً بالمملكة العربية السعودية، وخلال كلمته كأنما وضع معاليه الحضور على صفيح، وأوقد نار الحماسة تحته بنبرة حديثه، حول مزايا المملكة العربية السعودية، فهو يرفع ويحدث القلوب فيعلوهم الحماس، ثم يشفق عليهم فيخفض ويخاطب عقولهم فيهدأون، ولا أحصي ما قاطعوا حديثه بالتكبير، والدعاء لخادم الحرمين الشريفين بالحفظ والتوفيق والعزة، والمملكة العربية السعودية بالحفظ والعزة والأمان ودحر الأعداء.
أثناء حديث معاليه وتجاوب الحضور معه، كنت ألتفت لصاحبي وقلت له: أترى هؤلاء يحبون بلدنا ويعظمونه أكثر من بعض أبنائنا؟
والمنتمون لجمعية أهل الحديث المركزية لمن لا يعرفهم يحملون من الحب والولاء للمملكة بحكامها وعلمائها ما لا يتصوره إلا من جالسهم وسمع منهم... حب صاف صادق منشؤه العلم بمكانة المملكة العربية السعودية، والإيمان بدورها في حماية الدين، فهي ظئر الإسلام ومأرز الإيمان.
والعاطفة الباكستانية في حب المملكة العربية السعودية والحرمين الشريفين، ومنهج أهل السنة، مخزون إستراتيجي لنا في المملكة العربية السعودية، وطاقة إيجابية ينبغي ألا تهدر، ولقد كانت حكومات المملكة العربية السعودية واعية لهذا سياسياً، وما زال أهل الباكستان يتذكّرون الملك فيصل - رحمه الله- ومن بعده من ملوك المملكة العربية السعودية، ويعتبرون (مسجد فيصل) شاهداً ورمزاً على العلاقات الدينية الإيمانية، وهم الآن يذكرون خادم الحرمين الشريفين ودوره في تعزيز هذه العلاقات، ودوره في إعادة روح العزة الحزم والعزم لأبناء الأمة الإسلامية، ومع كل هذا فإن المنتظر من الجامعات السعودية والمؤسسات التعليمية والدعوية كبير وجليل، لقد حدثنا الإخوة في باكستان عمّا يُسمى النوادي الثقافية الإيرانية، وهي لا تخطئها العين في شوارع لاهور، فالعلم الإيراني يرفف فوقها، وأنها منابر تشييع ونشر للمذهب الصفوي، وأنها تمارس ترويجاً ضد منهج أهل السنة والجماعة، وذكروا لنا أن المد الصفوي يطغى ويتوسع، وهذا يعظم المسؤولية على المؤسسات التعليمية والدعوية في المملكة العربية السعودية، ولقد رأيت من معالي الأستاذ الدكتور سليمان أبا الخيل حفظه الله، وعياً تاماً بهذا فقد جعل من جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية حاملة لواء التواصل مع الجامعات الباكستانية، وحرص أيضاً على عقد اتفاقيات ومشاركات مع الجامعات الباكستانية، في عدة مجالات أكاديمية؛ تعليمية وتقنية وإعلامية، وفق الأنظمة والتعليمات واللوائح المعمول بها في الجامعات السعودية، وعلى المستوى الشخصي فمعاليه يتمتع بعلاقات جيدة مع مسؤولي التعليم العالي ومسؤولي الشؤون الدينية في باكستان، من خلال منصبه نائباً للرئيس الأعلى للجامعة الإسلامية بإسلام آباد، ورئيساً أعلى للجامعة الإسلامية بلاهور، ومن خلال صداقاته مع كثير من العلماء والمسؤولين والمهتمين بالتعليم في باكستان، صداقات وعلاقات كسبها معاليه بمكارم الأخلاق، وأذكر من شواهد هذا أن معالي رئيس هيئة التعليم العالي الباكستاني، توفيت أمه في إحدى زيارات معالي الشيخ سليمان لباكستان، وكان حضوره لأحد الاجتماعات بشأن الجامعة الإسلامية بإسلام آباد مقرراً، فأخبر معالي الشيخ بظرفه، فقرّر معالي الشيخ الذهاب لتعزيته، وكان العزاء في قرية بعيدة عن إسلام آباد، ولكن النفوس الكبار لا تضيق بتبعات مكارم الأخلاق، فتفاجأ الوزير الباكستاني بزيارة اشيخ وحفظها له، فكأنما استل الشيخ ما قد يكون علق في نفس الوزير من شك أو تردد، وملأه بإذن الله حبا للمملكة ولرجالاتها ولجامعاتها، وللجامعة الإسلامية بإسلام آباد التي تعود فكرتها للملك فيصل - رحمه الله- ولذلك كله فإني لم أشهد إلا بالحق، حين قلت عن معاليه: نعم الرائد لقومه والسفير لبلده، ونعم الحامل والشارح لرسالة المملكة العربية السعودية.