د. خيرية السقاف
الناس في وسائل التواصل أكثر قرباً، وانفتاحاً على مجريات الواقع، منذ الفجر تجدهم يطرحون آراءهم، يعقبون على الأحداث، ينقلونها بالصورة، والصوت، يناقشون بعضهم اتفقوا أو اختلفوا، رقوا أو تدنوا، مسالمين أو مشاغبين،..
وبعضهم يبتعد عن خشاش الريح، وطمي السيل، يرتفع لمناف القيم، والمُثل في الفكر، فيأتي بآيات تناسب المقام، وتذكِّر من غفلة، أو أقوال مأثورة، أو عبارات أدبية تحرض المخيلة، أو شعر مرسل يضفي على العتمة نوراً،..
وبعضهم يرمز، ويلمز لاذعا أو ساخراً، وربما بذيئاً متهالكاً،..
وهناك من «يخانق» ويتطاول، ومن يفضح ويتجنّى، ومن يهرف بما لا يعرف..، ومن يعرف ويلوذ إلى الهدنة الذاتية، يربأ عن تيارات الإفضاء الفاسد الذي سوّغته ومكّنته هذه الوسائل بإتاحاتها غير العصية على أحد، وبسرعتها وإمكاناتها،..
وهي التي في الغالب قد قربت البعيد، وكشفت المخفي، بل جمعت الأضداد، ولمت شمل الذين اغتربوا عن بعضهم..
على مدار الساعة تجدها تستقبل من يستيقظ، ولا تتوقف بمن ينام..
وسائل «التواصل» هذه تعمل بفاعلية أكثر مما تفعله وسائل «الإعلام» تلك _ المقروءة، والمرئيمسموعة، والمسموعة _
ذلك لأنّ الأخيرة أخذت في التنحي عن دورها الرئيس في نقل الخبر بشفافية دون تنميق، وبمتابعة الحدث، والخبر دون انتقاء أو تأخير، وبتحليله وتقريره وإبداء الرأي فيه بعمق واحتراف ومعرفة ومصداقية، كذلك في أية قضية أخرى تتولى الكشف عنها ومداولة حلها، وفي تبادل الفكر ووجهات النظر كذلك ، أيضاً في متابعة القضايا والسعي لأولية السبق، أو حتى في أهمية ما تطرحه، أو في دقة اختيار من يكتب فيها، أو يتعامل معها في الميدان، أو في صدارة المشاركة المجتمعية في الشؤون كلها بدءاً بالسياسة والفكر، والرأي، وانتهاءً بالمجتمع الداخلي وشؤونه..،
لكنها لا تزال تكابد من أجل هذا الدور الذي كان لها قبل هجمة وسائل التواصل السريعة، وينسحب البساط من بين يديها، حيث هي لا تواكب كل ذلك بكفاءة ما يواكب الواقع الذي يتغير..!
بينما الأخرى متاحة للجميع حيث يكونون، وبدورها وتنوعها تتيح لهم فورية، وآنية معرفة كل شيء !!، والتفاعل مع كل شيء..!! باختلاف الموضوعات ، وبمختلف الطيوف، والتوجهات حيث مكّنت جميع الأطياف من التعبير عن كل شيء !! ، وهي الفاعلة الآن، وهي المؤثرة، وهي المستقطبة بحيويتها المدهشة، مع أنها بشكل آخر بدل أن تكون وسيلة جدوى فإنها تؤتي غالباً بثمار عجفاء، وتشيع عفناً يلف بالرؤوس الواعية..!!
لكن لا يزال لوسائل «الإعلام» فرصة للنجاة من قبضة « وسائل «التواصل» حول عنقها، وذلك بالخروج من ثوبها الباهت، والاستفادة من التقنية الحديثة التي مكّنتها من فورية المتابعة إلى قيمية ما تطرحه، وعمق نوعيته، وقوة تأثيره، وحصافته في الاستقطاب، بحيث تواكب بها منافسة وسائل «التواصل» بشكل أفضل، وبخطط ذكية، وبتنوع مضامينها، وبحسن اختيار مراسليها، وكتابها، ومحلليها، وبالتخلي عن صفحاتها التي لا تتضمّن ما يشد القارئ ويواكب احتياجاته، وتطلُّعاته بل معارفه، وطرق تفكيره التي تغيرت ،وتطورت، بينما هي لا تزال تعتمد نهجها السائد ، وإن تغيرت في مظهر إخراجها، وتبويبها، لكنها لا تزال غير فاعلة في استقطاب الشريحة الأكبر التي شدتها بعيداً عنها تلك، وإن كان لكل منهما منحاه ومهامه، لكن المضمار للتنافس، والغلبة للأذكى..!!
تماماً كما غلب المشرط الإلكتروني مقص الحائك، وسكين الطاهي.!!