د. عبدالواحد الحميد
يكاد يتفق الجميع في الوقت الحاضر على أن الرياضيات هي أحد أهم المفاتيح لصناعة مستقبل متقدِّم لأي بلد، فالرياضيات هي الأداة التي تقوم عليها العلوم الطبيعية كالكيمياء والأحياء والفلك وغيرها من التخصصات التي قادت الحضارة الإنسانية إلى ما وصلت إليه في الوقت الحاضر من تقدّم ورفاهية.
وتتباهى الأمم بما وصل إليه أبناؤها من مستويات الإنجاز في الرياضيات، وهذا ما نلمسه في المسابقات الدولية التي تُقام للطلاب في مجال الرياضيات والعلوم الطبيعية.
وقد حقق طلابنا في السنوات الأخيرة بعض التقدّم في هذه المسابقات وسجلوا حضوراً مفرحاً وحصل بعضهم على جوائز ومراكز متقدِّمة، ولكنني قرأت مؤخراً تقريراً في صحيفة «اليوم» جاء فيه أن 85 بالمائة من مستجدي جامعة الدمام لم يتجاوزوا اختبار الرياضيات لتحديد المستويات لطلاب السنة التحضيرية وتم وضعهم في المستوى الأول الذي يحتاج فيه الطالب إلى «حضور ساعات دراسية أكثر وجلسات تعليمية تطبيقية لتطوير مستواه في مهارات الرياضيات».
هذه النتيجة تثبت أننا بحاجة إلى تعزيز مناهج الرياضيات في مستوى التعليم العام، حيث إن التعليم العام هو اللبنة الأساسية التي يقوم عليها التعليم الجامعي وكل مستويات التدريب والتعليم ما بعد مرحلة الثانوية. كما أن هذه النتيجة تثبت أيضاً الحاجة القصوى للسنوات التحضيرية التي تسبق بدء الطالب لدراسته الجامعية وفق التخصص الذي يختاره أو يُحدَّد له لأن تعثر بعض الطلاب في دراستهم الجامعية يعود في كثير من الأحيان إلى عدم جاهزيتهم بسبب ضعف مستوياتهم في التعامل مع أدوات التعلم كالرياضيات واللغة الإنجليزية اللتين بدون إجادتهما قد لا يتحقق للطالب في بعض التخصصات استيعاب المادة والتفوق فيها.
لقد توسعنا كثيراً في التعليم الجامعي، وانتشرت الجامعات في جميع مناطق المملكة بلا استثناء بعد أن كانت في بعض المدن الكبرى فقط، كما أن المملكة توسعت في السنوات الأخيرة في برامج البعثات، وقبل ذلك استطاعت بلادنا نشر التعليم العام للبنين والبنات وكادت الأمية تختفي تماماً عندنا. لذلك فإن التحدي الحقيقي الذي يواجه تعليمنا الآن بعد كل تلك الإنجازات هو الارتقاء بمستوى التعليم وتحقيق الإنجاز الكيفي وليس الكمي فقط، وهذا يشمل بشكل أساسي تطوير مناهج الرياضيات والعلوم الطبيعية لأنها حجر الزاوية في التقدم.