رمضان جريدي العنزي
حمامات الدم السوري وصلت إلى معدلات غير مسبوقة، شلالات دم نازفة بعلو شاهق، سوريا أصبحت اليوم مثخنة بالجراح والمجازر الدامية، سوريا تتدحرج بتواتر ككرة الثلج، سوريا ذاهبة للحضيض، يريدونها دويلات طائفية وكنتونات عرقية صغيرة، الأمر لم يعد سراً ولا طلسماً ولا لغزاَ، بل هو الواقع المشهود بشهادة الشاخصين والعارفين ببواطن الأمور، تشهد على ذلك حالات التهجير والترحيل القسري الطائفي والإثني الممنهج، باعتراف القاصي والداني، تشهد على ذلك المذابح والإعدامات الكبيرة التي تجاوزت الآلاف بحسب منظمات حقوقية دولية، والسجون والأقبية وعمق البحر، يشهد عليه واقع المخيمات والترمل والتيتم والجوع المليوني, وواقع القتل العشوائي، يشهد علية جلب آلاف المليشيات الطائفية الإجرامية من كل فج عميق، يشهد عليه واقع الإنحطاط الأمني والتعليمي والصحي والخدمي، وواقع الإفلاس السياسي والاقتصادي والفكري، واختفاء العقل والبعد والرؤية، تشهد عليه جرائم اليورانيوم والمذابح وواقع الإقصاء والاجتثاث، واقع التغيير الديمغرافي للمناطق المختلطة وتدمير المدن والقرى العاصية كما حصل في حمص وسراقب والقصير والرستن وريف دمشق وحلب والرقة والدير وأبو كمال وحماة، يشهد عليه واقع استكمال مسلسل التفكيك والتشظي، يشهد علية واقع فقدان أي شكل حقيقي من أشكال العدل والوطنية والانتماء، سوريا أصبحت مضرباً للأمثال في الفشل والشلل والتخبط والتبعية والفساد والاستبداد الفوضوي الذي ينذر بجرائم الإبادة والفصل الطائفي, والإثني, والتي ستكون ذريعة الأمر الواقع بإتجاه الخضوع لمشروع التقسيم القادم لا محال طالما بقى الحال على ما هو عليه، والذي تريده إيران خدمة لمشروعها الطائفي التوسعي بمساندة دول الاستكبار العالمي، هذه الحقائق الدامغة هي دافع واقعي يبعث بالأكثرية من البقية الباقية من السوريين الوطنيين الأحرار على الحزن والاكتئاب والابتهال، إن الذين انخرطوا في جريمة بيع سوريا وتقسيمها وتفكيكها، وتخادموا مع المسار التبعي للمحتلين الإيرانيين والروس والأحزاب الصغيرة الأخرى، الذين هندسوا عملية سياسية تدليسية كاذبة لا تحمل غير الوعود الباهتة، وبوجوه متنافرة، وأجساد ديكورية، لن يرحمهم التاريخ وسيلعنهم لعناً كبيراً، لأنهم أجرموا بحق سوريا الإرث والبعد العربي والتاريخ العربي الأمجد، هؤلاء شلل طائفية فاسدة، وعصابات مارقة لا تتوانى عن ممارسة الإرهاب السلطوي وغير اسلطوي للمحافظة على مغانمها وعلى مواقعها، إنهم يخدمون بهذا الغباء الفكري والسياسي تنفيذ مشروع الشرق الأوسط الجديد، الذي يقزم الدول العربية ويقوي إيران ويعملق إسرائيل، كل المؤشرات تدل على ذلك، وكل المؤشرات تدل على استمرار نزيف الدم السوري، وتهديم البنى التحتية، وتخريب البلد، المتضرر الوحيد بهذه الحرب الظالمة الدامية الضروس هو الشعب السوري بكل تفاصيله وأطيافه وتنوعاته لأنه سيخسر نفسه ومقدراته، إنّ تجاوز هذه الأزمة لن يتم دون الإقرار بأن الذي حصل في سوريا بفعل العصابة الحاكمة الطائفية البغيضة هو جريمة تاريخية كبرى بحق سوريا وشعبها، وإنّ تجاوزها لن يتم من دون تنحي كل مرتكبيها ومنظريها والمحرضين عليها ومحاكمتهم محاكمة تليق بجرائهم وأفعالهم البشعة، أما القوى الاحتلالية الاستكبارية التي تعاونت مع الشيطان الرابض في دمشق فعليها أن تخرج فوراً، وأن تقر وتعترف بأحقية الشعب السوري في الحياة وفي اختيار النظام السياسي الذي يراه دون إملاءات ولا شروط، وكل هذا لن يتم من دون إرادة شعبية سورية وطنية موحدة الأطياف رافضة للطائفية والإثنية تطيح بقواعد اللعبة الاحتلالية وهيمنة الغطرسة، غير ذلك ستضيع سوريا ويضيع السوريون.