جاسر عبدالعزيز الجاسر
يواصل الساسة الذين يمسكون بزمام السلطة في العراق منذ الاحتلال الأمريكي عام 2003 والذين قدموا مع الاحتلال على ظهر دبابة، ارتكاب الموبقات السلوكية والسياسية معاً دون خجل وبلا إحساس بآلام الشعب العراقي، فمع اقتراب موعد الانتخابات البرلمانية، فاجأ التجمع أو التكتل أو المليشيا السياسية لأحد فروع ملالي إيران من الأحزاب الطائفية التي أنشأها في العراق، فاجأ كل العراقيين بتقديم كتلته الانتخابية والتي تحمل مسمى «كتلة المواطن» بتقديم مشروع قانون إلى مجلس النواب العراقي يمنح الحصانة لمليشيات الحشد الشعبي، والتي تجمع المليشيات الطائفية التي تؤمن بنهج ولاية الفقيه.
بدعة منح الحصانة لتشكيل مسلح بدعة لم تجرؤ على فعلها جميع الدول بما فيها الدول التي تحكمها أنظمة شمولية تدعمها أذرع عسكرية، فما بالك بمنح حصانة لمكون عسكري مكون من مليشيات عرف عنها نهجها وسلوكها الإجرامي، وتضم مليشيات سجلها الإجرامي متضخم وكبير ومليء بالأعمال الإرهابية وارتكاب الاغتيالات والخطف ونهب وحرق ممتلكات المواطنين العراقيين.
العراقيون جميعاً -بمن فيهم أبناء المكون الشيعي الذين يستهدفهم مقدمو المشروع لإغوائهم بالحصول على أصواتهم الانتخابية- يرفضون هذه «الرشوة» فبالإضافة إلى أن معظمهم لا يرون في الحشد الطائفي ممثلاً لهم، يرون في ذلك مقدمة للزج بقادة الحشد وأكثرهم من أصول غير عربية إلى البرلمان، والذين يتهكم العراقيون بتسميتهم بالعراقيين الأجانب، أما أبناء المكون الآخر ونعني بهم السنة العرب فيرون في مشروع هذا القانون، مشروع إذكاء للنزاع الطائفي قبل الانتخابات المقبلة، ويطلق يد أفراد المليشيات الشيعية -وأكثرهم أصحاب سوابق إجرامية- ليقوموا بالمزيد من جرائم القتل والخطف التي يتعرض لها المسلمون السنة من العراقيين، كما أن القانون في حالة إقراره سيوفر الحماية القضائية للمجرمين الذين ارتكبوا آلاف الجرائم بحق العراقيين، وحماية قادة الحشد الطائفي من المساءلة القانونية، فهم مسؤولون عن الخروقات التي ارتكبتها فصائل تابعة للحشد أثناء تخليص مدن السنة العرب من سيطرة تنظيم داعش، وقد وثق العديد من الحقوقيين ومن النواب العراقيين وبالذات أبناء المحافظات والمناطق والمدن التي عانت من جرائم مليشيات الحشد الشعبي تلك الجرائم، خصوصاً الانتهاكات والاغتيالات وعمليات النهب وحرق المنازل والممتلكات في محافظات الأنبار وديالى وصلاح الدين، وأورد نواب تلك المحافظات بعضاً من تلك الجرائم منها اختطاف أكثر من 1600 مدني من أهالي الأنبار في معبر الرزازة، وكذلك خطف وقتل 650 مدنياً من أهالي الصقلاوية والكرمة شمالي مدينة الفلوجة، بالإضاف إلى قتل عدد كبير من أهالي ديالى وصلاح الدين وبالذات في المقدادية والدورة، وهناك أكثر من 2200 شخص في المحافظتين مصيرهم مجهول بعد تعرضهم للاختطاف من قبل مليشيات الحشد الطائفي.
ويتساءل العراقيون وبخاصة الحقوقيون منهم: هل من له مثل هذا السجل يطلب لهم حصانة تحميهم من المساءلة؟. كما أن تقديم مثل هذا القانون يعد استخفافاً بالمنظومة العسكرية العراقية والأجهزة الأمنية، فكيف تمنح مليشيات إجرامية حصانة لا تتمتع بها الأجهزة العسكرية الحكومية؟. كما أن مبدأ منح حصانة لأي جهة عسكرية يعد خروجاً على حقوق المواطنين الذين لن يجدوا من يحافظ على حقوقهم في ظل تمتع فئة معينة بامتيازات تحققت بسبب انتماءاتهم الطائفية.