محمد آل الشيخ
هناك تباين كبير ومحوري بين السلفية التاريخية أو سمها السلفية الموروثة، وبين السلفية الحزبية الحركية المسيسة، التي انتشرت مؤخراً على اعتبار أنها هي السلفية، التي نتج عنها (الإرهاب) وتثوير دين الإسلام. الفرق هنا يتمحور في نقطة جوهرية، غاية في الأهمية، مؤداها أن السلفيين التقليديين يعتبرون طاعة ولي الأمر، مُتعينة شرعاً، ويجيزون الصلاة خلف (كل بر أو فاجر)، ويشترطون للثورة عليه أن يمارس كفراً بواحاً لا خلاف عليه، أو يؤخر الصلاة عن مواقيتها.
السلفيون المسيسون، أو من يسمون بالسلفيين المتأخونين، نسفوا (وجوب) الطاعة، وجعلوا من الخلافات السياسية مع الإمام مبرراً كافياً (للثورة) على سلطاته، والتمرد عليه.
هذا الفرق هو فرق جوهري في التعاطي السلفي بين السلفيين الأولين والسلفيين الحركيين المعاصرين. السلفي التقليدي يهتم عادة بالدين والعبادات والزهد في ملذات الدنيا ومباهجها، بينما يخاف أشد ما يخاف من الفتنة والتمرد السياسي، إلى درجة أنهم بالغوا في الطاعة والانصياع للحاكم، حتى وإن كان غاشماً ظلوماً؛ لأنهم يرون أن الفتنة التي قد تترتب على الثورات السياسية والتنافس على السلطة هي أخطر من ظلمه وتجاوزاته في تطبيق العدالة. في حين أن السلفيين الثوريين الجدد، وأعني بهم السلفيين الحركيين المسيسين (فجّروا) نظرية الطاعة الموروثة عند السلفيين، وأجازوا التمرد بمجرد أنك وجدت أنه مثلاً (لا يطبق الشريعة)، وسموها (الحاكمية)؛ تلك الحجة التي أصبحت عندهم كقميص عثمان، مع أن الشريعة التي يدعون أنهم يذبون عنها، ويدعون إليها، تعطي لولي الأمر في الطرح السلفي الموروث من الصلاحيات ما لا تعطيه لغيره، عالماً كان أم جاهلاً.
صحيح أن السلفيين في اختياراتهم في التعامل مع القضايا المجتمعية، غالباً ما يكونون متشددين، تشدداً قد يصل بهم أحياناً إلى درجة الغلو والتنطع، إلا أن السلفي ينأى بنفسه دائماً عن الفتن السياسية، ويتحرج من الخوض في شؤونها، ناهيك عن أن يدعو إليها.
لذلك من الظلم تحميل السلفية المعروفة تاريخياً مسؤولية الإرهاب والعنف، لأن الإرهاب الذي هو في حقيقته فعل سياسي عنيف، يرتكز على الخروج، ونسف البيعة، يختلف اختلافاً جوهرياً مع نظرية الطاعة، التي يرقى بها السلفيون التقليديون إلى جعلها أصلاً من أصولهم العقدية التي لا يساومون عليها.
والسؤال هنا: هل المجتمعون في (مؤتمر غروزني) لا يدركون هذه الحقيقة عندما أخرجوا السلفية من مسمى أهل السنة؟.. لا أشك لوهلة أنهم يدركون ذلك تمام الإدراك، غير أنهم تعمدوا إخراجها لإخراج بالتالي المملكة من أهل السنة، وليس لدي أدنى شك أن هذا هو الغاية السياسية من المؤتمر ودعاته، خاصة بعد أن رفع وزير خارجية (إيران) عقيرته مطالباً بتهميش المملكة، بذريعة تهميش الوهابية السلفية. المؤتمر المشبوه هذا تم عقده في الشيشان، وتحت إمرة «رمضان قادروف»، الذي يأتمر بأوامر «بوتين»، وبوتين كما هو معروف يتحالف مع الفرس الصفويين، فهم وإياه في قارب واحد، الأمر الذي يؤكد أن مقالة محمد جواد ظريف وزير خارجية إيران الأخيرة في (الواشنطن بوست) جاءت مكملة ولتتناغم مع مقررات مؤتمر غروزني.
لذلك فإن مشاركة بعض السعوديين في ذلك المؤتمر المشبوه ضد بلدهم، يؤكد إما أنهم مشاركون خيانة لبلدهم عن سابق وعي، أو أنهم شاركوا طلباً للشهرة و(الترزز) على حساب وطنهم؛ وهي خيانة وطنية مكتملة الأركان يجب أن يسألوا عنها.
إلى اللقاء.