غسان محمد علوان
عهدناه دوماً نادياً راقياً، بجميع مكوناته، جمهور وإعلام وإدارة. كان دوماً من الفرق المحببة للجماهير بكافة أطيافها. لا صراخ، لا شتائم، لا انتقاص من أحد. في الفوز والخسارة على حدٍ سواء. كنا نراهم يبتسمون تواضعاً عند كل انتصار، وعند كل إضافة جديدة لقلعة الكؤوس التي تحكي تميزاً خاصاً لذاك الراقي. كانوا يبادرون الفائز بالمباركة، ويعتذرون لجماهيرهم من أي تقصير قد حصل منهم أدى لضياع فوزٍ ما أو لقبٍ جديد. كانوا يتمثّلون قولاً وفعلاً بلقب من أجمل الألقاب التي من الممكن إطلاقها على أي منظومة حقيقية، تستطيع أن تباهي بأن إرثها الحقيقي هو الفروسية والرقي، وبأن هذا اللقب (الراقي) يشمل كل محب لهذه المنظومة ويسعى لترسيخها حتى وإن حاول المستفزون تحييدهم عن دربهم الذي انتهجوه.
ما الذي حصل؟ وما الذي تغير في هذه التركيبة الجميلة للأهلي؟! لماذا أصبح الأهلاويون مصدر إزعاج غير طبيعي في كل شاردة وواردة؟ اعتراض هنا وصياح هناك. بيان يتلوه بيان يتلوه بيان على كل شيء بغض النظر عن أهميته أو تفاهته.
هي ثلة إعلامية صغيرة تنتمي للأهلي ولا تمثّله، أثّرت وبشكل مرعب على بقية مفاصل الكيان الأخضر، وأوهنت أو تكاد تخفي وهج الرقي الذي لازم الأهلي منذ عرفناه. تأثيرها الضار وصل إلى إعلاميين أهلاويين مخضرمين كنا نحسد الأهلي على انتمائهم له، ولكنهم للأسف سلموا رقابهم لمن هم دونهم خبرة ورقياً وأخلاقاً رياضية، وارتضوا لأنفسهم بأن يكونوا تبّعاً لمن امتهنوا الإساءات، ورأوا فيها طريقاً لرفعة الأهلي (كعذر) وهم ينشدون الانتصارات الشخصية في ملاسنات ساذجة في تويتر أو في الإعلام.
فأحدهم لم يجد سوى الحمير (أعزكم الله) مثالاً للاستخدام في جلّ نقاشاته. وآخر يتهم المنظومة كلها بسعة الذمم وأنها قابلة للشراء والبيع، وقبلها يصف من يناقشه بأنه لا يرقى لمستوى قدمه (أعزكم الله) كتاريخٍ رياضي. وآخر لم تستحضر له خزينة مفرداته سوى مفردة العاهرة (أعزكم الله) لتشبيه فريق منافس للأهلي. فإن كان هؤلاء ورغم انتمائهم للأهلي، فهم بلا شك لا يمثّلون محبو الأهلي إطلاقاً على وجه الخصوص ولا حتى الرياضيون السعوديون بشكل عام.
تمنيت أن لا يحقق الأهلي الدوري في الموسم الماضي بالذات، وأن يحققها خمس مراتٍ على التوالي في المواسم التالية إن كان بنفس الجمال ذاك في داخل الملعب. وأمنيتي تلك ليست لعدم أحقيته به فنياً، بل لما رافق ذلك الموسم من لطميات وصياح وادعاءات للمظلومية سلبت من فرقة الأهلي الممتعة داخل الميدان بقيادة المرعب السومة، وجيرتها للصوت العالي المزعج الذي مارسه بعض المحسوبين على الرياضة وعلى الأهلي. لدرجة أن بعض الجماهير قالتها بصريح العبارة: (إعلامنا هو من حقق اللقب)!!! فأين ذهب جهد الفريق؟ وعمل المدرب؟ واجتهاد الإدارة؟ كلها أصبحت شأناً هامشياً في ظل موجة الصياح المزعج.
لقب الدروي الذي تحقق يجب أن يرافقه تركيز كبير من جميع الأطياف الأهلاوية التي كسرت حاجز عقدة استمرت لأكثر من ثلاث عقود، ليتمكّن الأهلي من تقليص الفارق مع بقية كبار الدوري والذين حققوا أضعاف ما حققه الأهلي في الدوري بألقابه الثلاث فقط.
دعوة صادقة من قلب محب: عودوا راقين كما كنتم، فالرقي وعدم طرد البذاءة من حوزة القلعة الخضراء لا يجتمعان إطلاقاً. ولكم في الراقي قولاً وفعلاً غرم العمري مثالاً بالغاً في الرقي، فلا ترتضوا لصورتكم بأن تتشوه بمن هم دونه.
خاتمة
إذا بيئة الإنسان يوماً تغيّرت
فأخلاقهُ طبقاً لها تتغيرُ
(جميل صدقي الزهاوي)