عبدالعزيز السماري
كانت قصة تحالف الجهاد الإسلامي بين المسلمين والولايات المتحدة في الثمانينيات أقرب لقصص الخيال، وقد يأتي زمن تُحكى فيه للأجيال القادمة ويكذبونها، لكن نهايتها جاءت مغايرة تمامًا لفصول التحالف الأمريكي الإسلامي الوثيق ضد الاتحاد السوفيتي.
وذلك عندما أقر مجلس النواب الأمريكي تشريعًا، يوم الجمعة قبل الأخير، يسمح لأسر ضحايا هجوم 11 سبتمبر بمقاضاة الحكومة السعودية على الأضرار التي لحقت بهم نتيجة عدوان بعض العناصر المتمردة عن التحالف الجهادي القديم على المصالح الأمريكية في الداخل.
لا وقت للأسف لما يحدث داخل أروقة السياسة الأمريكية ضد الوطن، أو للندم على تلك العلاقة التاريخية بين البلدين، فقد كشرت الإدارة الأمريكية عن أنيابها ضد المصالح الوطنية، ولم تعد بعد هذا اليوم الحليف القديم الذي حرصنا كثيرًا على مصالحه في المنطقة.
لا يمكن إلقاء اللوم على جهة واحدة في قضية انفجار كرة الجهاد في وجوه أعضاء الحلف القديم، وما تبعها من تصاعد لموجات الإرهاب، فقد عانت السعودية وغيرها من الدول من تباعتها، وعملت الحكومة على محاربته بشتى الأساليب الممكنة.
لذلك لا يصح إلقاء اللوم في تصاعد نبرة الجهاد في هذا العصر على جهة واحدة، فقد شاركت القوى العالمية الغربية في استدعاء وإذكاء فكرة الجهاد واستغلالها، حين كان ذلك في صالحها، وقد قادت ومولت الولايات المتحدة الأمريكية حروب الجهاد الأفغاني ضد السوفييت، وساهمت في تجنيد عشرات الآلاف من العرب المقاتلين.
قدمت الولايات المتحدة التدريب ومئات الملايين من الدولارات لتمويل المجاهدين في إطار عملية الإعصار، وكانت عملية من أطول وأكثر تكلفة العمليات السرية في تاريخ وكالة المخابرات المركزية في تاريخ الولايات المتحدة، وقد بدأت الميزانية الإعصار بثلاثين مليون دولار في 1980، وارتفع المبلغ بما يصل إلى 630 مليون دولار في عام 1987.
لم يتوقف الأمر عند ذلك، فقد قررت حكومة الولايات المتحدة أن هناك حاجة ماسة إلى محاربة نفوذ الشيوعية في ساحة أخرى، وهو التعليم، وطبعت ووزعت الولايات المتحدة سلسلة من الكتب التي تروج للعنف في شكل الجهاد ضد القوات السوفيتية..
كان أحد أهم الأمثلة البارزة على ذلك «الأبجدية الجهاد لمحو الأمية»، وهو كتاب الممول من قبل الولايات المتحدة التي نشرتها جامعة نبراسكا في أوماها. في الكتاب تعريفات دقيقة لمن هم الكفار لغرض إثارة فكرة الجهاد في عقول طلبة المدارس، ومازال يُستخدم إلى وقت قريب ضمن مناهج طالبان.
إذا كان قانون تطبيق العدالة على داعمي الإرهاب يسمح بمحاكمة حكومات الدول داخل الأراضي الأمريكية، فإن الأولى في قضية انفجار فكرة الجهاد في وجوههم أن تُحاكم حكومة الولايات المتحدة، فقد كانت اللاعب الرئيس في استغلال وتوجيه قوى الجهاد الإسلامي لخدمة مصالحها الخاصة، ولا يمكن تحميل دول أقل نفوذًا وسيطرة وإمكانات خروج بعض العناصر المتمردة عن الطوق الأمريكي في التحالف القديم.
ما يتعرض له الوطن هو قضية ابتزاز حسب المنهج الأمريكي، وقد نخرج منها، وقد نخسر مبالغ طائلة بسبب ذلك، لكن بالتأكيد لن نخسر الوطن العزيز، وسنقف صفًا واحدًا ضد كل من يهدد مصالحنا الوطنية، وربما تعلمنا الدرس القاسي من خلال هذه التجربة المريرة، فتاريخ واشنطن مع حلفائها القدامى ثابت، وهل يحتاج النهار إلى دليل؟، وسيظل الخيار الأمثل في كل العصور هو الانكفاء في اتجاه الداخل واستثمار الأموال والثروات في ربوع الوطن وسهوله وقراه ومناطقه المترامية. والله ولي التوفيق.