د. عبدالحق عزوزي
في أيام مِنى المُبَاركة، وعلى صعيدها الطَّاهر، التقى المُوَافُون حجَّ هذا العام 1437هـ من كبار الشَّخصيَّات الإسلاميَّة برابطة العالم الإسلامي، بمشاركة: «الهيئة العالمية للعلماء المسلمين» بالرابطة، وتداولوا عبر محاور مؤتمر:
«الإسلام رسالة سلام واعتدال» في إطار ما يضطلعون به من عملٍ إسلاميٍّ، وكلمةِ حقٍّ، تَعْظُمُ مسؤوليتُها في أيامهم الحُرُم، وشَهْرِهم الحرام، والبلدِ الحرام. وكل من يقرأ مقررات وتوصية المؤتمر سيجدها شجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء، تنادي بما نادى به الدين الوسطي السمح من إعمال قواعد العقل الصحيح، والاعتماد على تحرير العقل من أثقال التقليد والكتابات التي لا أصل لها في الكتاب والسنة، ومن تجذير أسس التقدم والرقي ونقد الذات، والدفع بالإنسان إلى التفكير في ما وراء الستار، وتجاوز الظرفيات، والولوج إلى جوهر الأشياء... ويُخطئ الخاطئ، كما أقول ذلك دائماً في محاضراتي وأكتبه مع آخرين، عندما يظن عند سماعه لضرورة الإصلاح الديني أو التجديدي في الخطاب الديني أو في الفكر الديني أنه يجب استبدال الإسلام بدين آخر أو البوح بضرورة استقالة أحكامه الثابتة القطعية أو صناعة قواعد في الفهم أو التطبيق مخالفة للقرآن؛ فالعلماء الحقيقيون الذين تصدوا لمسألة التجديد والإصلاح في الفكر الديني أو في السلوك أو في الخطاب في العصور الآزفة القريبة، فإنهم تناولوها من ضرورة التكيف مع العصر في تثبيت لمعادلة التأصيل مع التجديد، وهذا التأصيل يكون برد الشريعة السمحة التي أتت بالوسطية والاعتدال، ودعت إلى التفكر واستخدام العقل، وإلى الاستنباط والاجتهاد، إلى مقاصدها وإلى مستلزماتها مع مسايرة ضروريات العصر. فالإصلاح والتجديد هو الإحياء والتفعيل. والله سبحانه وتعالى ما بعث رسله ولا أنزل كتبه إلا لإحياء الأنفس ودفعها إلى البر والصلاح... لذلك جاء في أحد بنود التوصيات: «يؤكد المجتمعون على ما تضمنته كلمة رابطة العالم الإسلامي في حفل الاستقبال المقام بالقصر الملكي بمشعر منى لهذا العام 1437هـ، من أن مفاهيم الإسلام حذَّرت من أي شعار، أو اسم، أو وصفٍ غير الإسلام، وأننا عندما نَخْتَصِرُ سنةَ الإسلام وجماعةَ المسلمين، في أوصافٍ لأشخاصٍ أو انتماءاتٍ أو مدارسَ معينة، فإننا نَخْتزل الإسلامَ الجامع، الإسلامَ الحاضن، إسلامَ السعة والامتداد والتاريخ، في مفاهيمَ محدودة، وأفكارٍ ضيقة، تفتح على الدينِ ثغرةً، تتسللُ منها المصالحُ والأهواءُ، وأن سبيلَ رابطتهم الإسلامية، هو إيقاظُ العقولِ المسلمة، واستنهاضُها نحو فكرٍ حُرٍّ مُستقل وواعٍ على هدي الكتاب والسنة.» كما أعجبتني التوصية التي خرج بها المشاركون عندما نبهوا على أنَّ بعض الكتاات التاريخية ربما سجلتها أقلام لا رسوخ لها في علوم الشريعة ولا أدبها، فتصوغُ مدوناتِها بأخطاء وتقولات ومصطلحات تخالف الشريعة والحقيقة، ولا يتحملها سوى مَنْ دونها، وأن التعويل في الحكم على أهل الإسلام في أفراد علمائهم أو دعاتهم أو مفكريهم أو مؤسسات مدارسهم إنما يكون على مقالاتِ أصاحبها من مصادرها، وأنه عند التشابه والاستشكال في مضامينها فإنها تُرَدُّ لمن صدرت عنهم أو ورثة علمهم، كما هو هَدْي الإسلام في التثبُّت والتَّبَيُّن وردِّ الأمر إلى أهله، مع الأخذ في الاعتبار أن من أصحاب الطرح المحسوب على علوم الشريعة من لا يُمثِّل إلا نفسه، ولا عصمةَ لأحدٍ غيرَ أنبياء الله ورُسُلِه فيما يبلغونه عن ربهم جل وعلا... وقد حذرنا في مقالتنا للأسبوع الماضي عن الداهية العظمى التي لوثت وما زالت تلوث عقول وأفئدة الآلاف من المسلمين وهي التكفير أي استحلال دم الآخر، بل وإقصاء حتى المخالف من الإسلام فهناك من أهل الحسد والتعصب من يرى أن العدول عن مذهب ولو في قيد شبر كفر، ومباينته ولو في شيء نزر ضلال وأكثر الخائضين في هذا إنما يحركهم التعصب واتباع الهوى دون التصلب للدين لأنه من تربى على مذهب معين، وقرر عنده أنه الحق وما خالفه الباطل لا شك أن ذلك متمكن من قلبه لا يكاد يفارقه، وإذا رأى شيئاً غيره وسمه بالبطلان، وصاحبه بالإبطال، بل قد يصل به التعصب لمذهبه أن يقبل المسألة المحررة ويصدق بها، ظناً منه أنها مذهبه، فإذا سمع أنها لمخالفه، كذب ما صدق به، وأبطل ما حققه، فمن سار على نهج هؤلاء فهم أناس ملوثة عقولهم يحملون علماً ضيقاً أو جهلًا مطلقاً، ويكنون خضوعاً مطلقاً لأصحاب التنظيمات التي تدّعي العصمة، وينافحون بالسلاح لفرض مبادئ ضالة ومضلة تأتي على أبرياء من بني البشر وتقوّض مبادئ التسامح والتعايش بين بني آدم، ولله الأمر من قبل ومن بعد، وللحديث بقية.