ناصر الصِرامي
كل عام يمر علينا عيدنا الوطني السعودي بصورة احتفالية أفضل، شعور أكثر تحرراً بالحب والفرح والتعبير عنه لأرض وتراب ورمز الوطن.
لا تغيب عن ذاكرتي مدرسنا الصحوى - والذي ذكرت قصته أكثر من مرة - ذلك المدرس الذي أسندت له تدريس مادة التربية الوطنية، التي أقرت بداية التسعينات للمرحلة الثانوية في نظامها المطور حينها.
ذلك المدرس الذي بدأ الحديث بمحاولة الشرح عن الوطن والأرض والتراب والأجداد، قبل أن يؤنبه ضميره الصحوي ليعود في الدرس الثالث تحديداً، ليقول لنا إن المادة بلا معنى، وليست إجبارية للنجاح أو الحضور، ثم يذهب للحديث عن الأمة الإسلامية بلا أي ملامح جغرافية..!
من وقتها والصحوية مختطفة كل شيء، بما في ذلك الاعتزاز بالوطن وهويته. حيث لم يتوقف خطاب الأمة والخلافة الإسلامية من قبل الصحويين المتدينين، مقابل إنكارهم للدولة الوطنية.. وهنا أعني تحديداً : المملكة العربية السعودية، والتي يندر أن تأتي حتى اليوم في خطابهم وأدبياتهم كاسم رسمي للوطن الذي يحملون هويته!
كانوا يحذرون من الاحتفال باليوم _ الوطني؟ ويحذرون من كل فرح يقربنا إليه - الوطن -!، أو تخريب كل ما قد يذكرنا ببهجته الممكنة، أما ونحن نحتفل الآن، ها هم يبخلون حتى بتهنئة..!
لكل المحبين والعاتبين وحتى الساخطين للوطن وعلينا أن نتذكر أن الهوية الوطنية هي التي تخوّلنا للتنقل في أرجاء الكوكب.. وهو أمر لا يملك له خياراً آخر إلا القلة، قليلة جداً لن تتفاجأ بها!
لكن في كل مرة تسافر أو تبرز هويتك الوطنية، هي لحظة تستحق التأمل في علاقتنا بوطننا.
من الغريب أن يفترض البعض علاقة رومانسية مع الوطن على الدوام، للدنيا متاعبها وللحياة صعوباتها وزلازلها أيضا..!
الوطن ليست حكاية رومانسية أبدا، وليس تقويماً سنوياً ثابتاً للتفاؤل المطلق، هناك هبوط وصعود وظروف عالمية سياسية واقتصادية حولنا، وهناك نماذج معقدة من التغيرات والتحولات التقنية والإدارية والمستقبلية، والتطلعات العالمية، ومحيط إقليمي وعربي لم يكن مستقرا أبدا، وهو الآن في أسوأ حالته..!
والوطن ليس فرصة مفتوحة، أو « بوفيه مفتوح» بشكل مستمر.. ومن تفوته يصب غضبه عليه..!
الوطن كما الوطنية ، حالة معقدة ومركبة كذلك ، من علاقة تعود من تاريخ الميلاد، بل وقبله بأشهر، علاقة تجمع في تفاصيلها عناوين مشكلة من العائلة والقرية أو الحارة والمدرسة ومراحل النمو، من الشارع للمسجد للجيران، للعمل وطريق الذهاب والإياب، لكل العلاقات الاجتماعية من حولك، لتكلفة المعيشة للتعليم للصحة والسكن الذي حصلت عليها أو تتطلع للأحسن منها..!
صدقني.. أنت وأنا والناس تمضي مهما بدا لك علو شأنهم أو تواضعهم. . وأصحاب السلطة والمناصب كلهم، كلنا نرحل .. ويبقى الوطن .. بيد أجياله وعليه سيحاسبون..!
وللحديث العشق بقية...