د. عمر بن عبدالعزيز المحمود
عاود الطلاب والمعلمون الركض في كافة المؤسسات التعليمية، وبدأت فصول جديدة من حكاية التعليم في وطننا الحبيب الذي أثق أن وزارته هيأت كافة الإمكانات لهذه المناسبة، ولأنني في مجال أكاديمي فسيكون حديثي هنا خاصا بالعلاقة التي تربط الطالب الجامعي بأستاذه، ومستوى الثقة المتبادلة بينهما، مستثنيا من هذا علاقة طالب الدراسات العليا بمرشده أو مشرفه؛ إذ ذاك شأن آخر.
أبدأ أولا بالطالب الركن الأساس في العملية التعليمية: كيف ينظر إلى الأستاذ الجامعي؟ ما حجم الثقة التي يشعر بها تجاهه؟ وهل لتغير الزمن أثر في اختلاف طبيعة نظرته ومستوى ثقته؟ ثم ما هي الآثار المترتبة على التعليم الجامعي جراء هذه النظرة وتلك الثقة؟ وما هو دور الأستاذ الجامعي في كل ذلك؟
لا أزعم أني أمتلك إجابات على كل هذه الأسئلة الضخمة، لكني متأكد من ثلاثة أمور؛ الأول: أننا مقصرون في دراسة هذه القضايا الأكاديمية المهمة وضعيفون في بحثها وتحليلها، رغم أن الوقوف عندها ومعالجتها يحل كثيرا من مشكلاتنا التعليمية، ويفتح الآفاق نحو علاقة أمتن وأجواء أصح بين أركان العملية التعليمية. الثاني: أن الأستاذ الجامعي له دور كبير في خلق النظرة التي يريدها من الطالب، وله الأثر الأهم في تعزيز أو ضعف الثقة المتبادلة مع الطالب. الثالث: أن نظرة الطالب للأستاذ الجامعي وثقته به لم تعد كما كانت قبل، بفعل الانفتاح المعرفي والتوسع التكنولوجي وامتداد وسائل التواصل الاجتماعي، إذ أضحى الطالب أكثر وعيا وإدراكا لما يدور حوله.
أما الأستاذ الجامعي فنظرته نحو طالبه غالبا أقل من المأمول، حيث يشوبها شيء من التشاؤم وعدم الثقة، بل أزعم أن كثيرا من الأكاديميين يبدأ فصله الدراسي غير متفائل بطلابه ومستوى ذكائهم، وضعيف الثقة بجدهم وحرصهم وإخلاصهم، ولعل ذلك يعود إلى أسباب من أهمها: تجربته السابقة مع زملائهم، ثم النظرة النمطية لطلاب الجامعة، تلك التي تراهم مهملين على الدوام، لا يهمهم سوى تجاوز المقررات بأقل مجهود وبأي طريقة وبأي درجة، ثم المكانة الاجتماعية والثقة الممنوحة له مما قد يصيبه بشيء من الغرور الذي يظن به أن وصول هؤلاء الطلاب إلى ما وصل إليه من سابع المستحيلات، وسبب رابع يعود إلى وعيه باختلاف الزمن الذي كثرت فيه الملهيات، وضعفت الهمم، وأضحى الحصول على الوظيفة هو المطلب الأساس، دون النظر إلى القدرة والكفاءة وامتلاك المهارات اللازمة لتأديتها.
إن الواقع يشهد بأن كثيرا من الأكاديميين يتعامل مع الطلاب انطلاقا من قاعدة مفادها (الأصل أنهم فاشلون حتى يثبت العكس)، وليت الأمر ينتهي هنا، إذ إن الآثار المترتبة على هذا التعامل ستكون في غاية الخطورة؛ لأن الأستاذ حينها لن يكون مستعدا لمناقشة طلابه في أي قضية علمية؛ إذ يرى أنهم غير مؤهلين لذلك، بل ربما أهمل تحضيره العلمي للمحاضرة فجاء يقرأ من أوراق، أو يتحدث كيفما اتفق دون ترتيب علمي ولا منهجي، وتعظم المصيبة حين يمتد الأمر إلى التقييم النهائي، حيث يتهاون في التصحيح ورصد الدرجات، فينجح من لا يستحق والعكس، ومثل هذه التفاصيل الصغيرة هي التي تضر حقيقة بالعملية التعليمية، ولا يمكن حل هذه المشكلات بالندوات والمؤتمرات وتشكيل اللجان ووضع الاستراتيجيات مادامت نظرة الأستاذ إلى الطالب تنقصها الثقة والتفاؤل.
وإذا كان الأمر كذلك فيمكن فهم سبب من أسباب ضعف ثقة الطالب بالأستاذ، وشكه في طريقة تصحيحه، وإصراره أحيانا على مراجعة ورقته، كما يمكن أيضا فهم موقف الأستاذ حين يرفض هذه المطالب، لأن الثقة بينهما أوهن من بيت العنكبوت، ولهذا فإن العمل على إعادة الثقة بينهما، وتحسين الرؤية التي ينظر من خلالها كل واحد منهما إلى الآخر، هما السبب الأكبر في نجاح العملية التعليمية، ولا يمكن أن يتم هذا الأمر إلا بتضافر الجهود، ووعي كل واحد منهما بقيمة الآخر.