عبدالعزيز السماري
لا يخفى على الجميع صعوبة التحديات الطبيعية التي ستواجهها المملكة في المستقبل، فالأرض تعاني من الجفاف وقلة العطاء، ونحتاج إلى تكاليف مادية من أجل استخراج المياه من باطن الأرض أو لتحليتها من البحر، هذا بالإضافة لقلة إنتاجية المواطن السعودي لأسباب من أهمها ضعف بنيته التعليمية وفتح الحدود لاستقدام الأجانب.
بينما لا يخفى على الجميع حقيقة قدرة التعليم العالي في فك شفرة المستقبل في البلاد، فالاستثمار في مجالات ومهارات وخبرات التعليم العالي هو مفتاح الكنز، وهو الذي يجب أن يحظى بالدعم الأعلى في البلاد، وقد استبشرنا خيراً بافتتاح الجامعات في مختلف المناطق وبفتح بوابة الابتعاث من قبل الدولة.
كان قراراً في الاتجاه الصحيح، لكن ذلك لا يكفي، فالجامعات تحتاج إلى دعم عالٍ، وذلك من أجل رفع مستوى خريجي الجامعات، وبالتالي يكونون بمثابة وقود المستقبل للوطن، وأستغرب كثيراً أن تخرج أصوات تطالب بخفض عدد الجامعات، وذلك لخفض التكاليف وتوفير المال للدولة !.. وإن حدث فيعني العودة إلى الخلف، وفتح الباب على مصراعيه للتعليم غير المنهجي أو الهجرة للدول المجاورة لإكمال مسيرة التعليم.
لنتعلم من النماذج الناجحة مثل كوريا الجنوبية، فالتعليم هناك ينظر إليه على أنه أحد الركائز الأساسية للحياة، والنجاح الأكاديمي غالباً ما يكون مصدر فخر واعتزاز للعائلات، ويعتبر تخرج أبنائهم أو بناتهم من جامعة كبرى علامة على الاعتزاز والهيبة، وعلى الوضع الاجتماعي والاقتصادي المرتفع، ويعني في نفس الوقت مساراً وظيفياً محترماً، لذلك تأصل مبكراً في الأطفال في كوريا الجنوبية أهمية النجاح الأكاديمي.
في عام 2010، أنفقت الحكومة الكورية 7.6% من ناتجها المحلي الإجمالي على جميع مستويات التعليم، أكثر بكثير من منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) بمعدل 6.3%، وساهم ذلك على تحويل البلاد بسرعة فائقة، وتنمية اقتصادها على مدى السنوات الـ60 الماضية، وبالتالي أصبح النجاح الأكاديمي مدخلاً إلى الطبقة العليا في المجتمع، والحصول على وظيفة مرموقة وآمنة وجيدة الأجر مع الحكومة أو البنوك وكبرى ائتلاف الأعمال الكورية الجنوبية مثل سامسونج أو إل جي إلكترونيكس.
ما حدث في جامعة الملك سعود دليل على نجاح البعد الإقليمي الضيق في التأثير على الاستثناءات الناجحة، فقد حققت الجامعة نجاحات ملفتة في تغيير اتجاه بنية العمل البحثي، وكان لها أثر إيجابي في عودة الأكاديميين إلى البحث العلمي، ولا يمكن أن تحدث مسيرة ناجحة بدون أخطاء، لكنهم رفضوا أن تكتمل المسيرة الناجحة، ولم نسمع منهم بعد ذلك، برغم من أن الجامعة تدهورت في سلم البحث العلمي.
لذلك لا يمكن أن نتجاوز التحديات بدون رفع معدلات الدعم للتعليم العالي والبحوث العلمية، وأن تكون هذه المجالات خطاً أحمر ضد قرارات رفع الدعم، ويأتي الحل فقط في الخروج من دوائر أنصاف الحلول والرؤية الإقليمية الضيقة، وذلك بالاعتماد على العقول الناجحة في المجتمع، والتي حققت نجاحات أكاديمية وعلمية وعملية، وتقدم الحلول المثالية لمشكلات وأزمات الوطن، ودام عزك يا وطن.