حدث ذلك في صباح أحد أيام 1307هـ، عندما وقف الفتى (الملك عبدالعزيز فيما بعد) والذي لم يكن يتجاوز عمره آنذاك اثني عشر عامًا(2) ينظر عن كثب إلى رجال الجيش الرشيدي وهم يشرعون في هدم سور الرياض، بلدة آبائه وأجداده.
لم يكن الفتى وحده، بل يرافقه فتيةٌ في سنه، وكان بالقرب منه محمَّد العبدالله الرشيد يحث العمال على سرعة إنجاز هدم السور، وبجواره حمود العبيد.
كان الفتى يلبس كوفية حمراء، ويعاني من رطوبة في عينيه، أثقلت جفونها، فلا يكاد يستطيع فتحها.
دنا الحاكم الرشيدي منه، ووضع يده فوق رأسه، والتفت إلى حمود موجهًا له الحديث:(يا حمود لا تحقرن هذا، تراه يشره على الحكم).
أصاب الفتى الذهول من هذا الموقف، وأخذه تساؤلٌ .. يا ترى كيف عرف أنني ابن الإمام عبدالرحمن الفيصل؟؟
واستمر التساؤل مصاحبًا له حينما كبر، ذلك أنَّ الغيب لا يعلمه إلا الله، وشاء الله أن يكون انقراض ملك الرشيد على يدي هذا الفتى، «فسبحان من لا يزول ملكه، ولا يضعف سلطانه، يعطي ويمنع، ويخفض ويرفع، يرزق الجنين في ظلمة الحشا»، قُلْ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ سورة آل عمران: 26.
راقب الفتى العمال حتى انتهوا من هدم السور بالكلية، أعقب ذلك رحيل أسرته إلى شرق الجزيرة العربية، في رحلة لا يعرف لها أمد معين، حيث كانت تعتمل في صدره الآلام على مصير أسرته، وما آلت إليه بلدته، وذهاب ملك أسرته.
لم تمض اثنا عشر عامًا أخرى إلا والفتى (الشاب فيما بعد) يهز أبواب مدينة الرياض معلنًا فتح صفحة جديدة من صفحات التاريخ مستردًا فيها ملك آبائه وأجداده.
رحم الله الملك عبدالعزيز، وأسبغ عليه شآبيب رحمته، وجزاه عن ما عمل خيرًا.
... ... ...
(1) رواية محمَّد العلي العبيّد نقلاً لحديث دار بين الملك عبدالعزيز والشيخ عبدالله بن بليهد في قصر شبرا بالطائف، مخطوطة:(النجم اللامع للنوادر جامع) أخبار وأشعار من القرنين الثالث عشر والرابع عشر، 2-109.
(2) بناء على أنَّ ولادة الملك عبدالعزيز - رحمه الله - كانت في سنة 1295هـ، كما رجَّح راوي المخطوطة.
- عبدالمحسن بن عبدالعزيز ابن عبدالرحمن آل الشيخ