سمر المقرن
في مجتمعنا لا تحتاج إلى وقت طويل ولا جهد جهيد لتحصل على صك البراءة، فالرجل مهما وصل جُرمه بإمكانه إطلاق لحيته وتقصير ثوبه ليصبح بعدها من ضمن المشايخ والدعاة على الفضائيات، وكذلك المرأة، فكثير ممن تم القبض عليهن وأودعن السجن بسبب قضايا أخلاقية قد تحولنّ إلى داعيات يصدحن بالحق في المجالس والقاعات.
ما حدث هذا الأسبوع من إطلاق سراح المتحرش «جنسيًا» بالأطفال هو مروّع بحق، فلم يقضِ أكثر من شهرين في الحبس بعد انتشار مقطع فيديو مقرف ومقزز يتحرش فيه بالأطفال، وما أثلج صدورنا بعد هذا المقطع من خبر القبض عليه وتجهيزه للمحاكمة، إلا وأتى خبر الإفراج عنه وظهوره على مواقع التواصل الاجتماعي باللحية الكثيفة والثوب القصير، وبعد هذا يتساءل الفضلاء لم فقدت اللحية هيبتها؟ ولم صار الناس لا يؤمنون ببعض أصحابها؟!
إن ما يحدث هو تشجيع على ممارسة التحرّش بالأطفال، بل وتشجيع على أكثر من التحرّش، فما دام هذا وأمثاله قد أمنوا العقوبة فإن أطفالنا في خطر، وحمايتهم يجب أن تكون مضاعفة من قِبل أهاليهم بما أن القانون لا يحميهم، ولا يحمي المجتمع. استغرب كيف يتم الإفراج عن هذا المتحرّش بكل هذه السهولة؟ أليس هناك حق عام؟ أليس هناك مجتمع شاهد تلك الفيديوهات وله الحق في رؤية صاحبها أمام ميزان العدل؟ شيء جميل أن يتوب هذا المجرم إلى الله - سبحانه وتعالى- ونسأل الله أن يقبل توبته، لكن التوبة وإطلاق مظاهرها لا تكفي للافلات من القانون والمحاكمة.
مُخيف جدًا هذا التهاون مع أبشع جريمة في حق الأطفال، فالطفل الذي يتعرّض للتحرش لن يكون سويًا مدى الحياة، وسيكبر ويبدأ ممارسة التحرّش كما حصل معه، وللمعلومية فإن بعض من يشعر بشهوة «شاذة» تجاه طفل، ربما يكون قد عانى في طفولته من التحرّش وربما الاغتصاب! نحن بهذا التهاون نخلق أجيالاً جديدة من المرضى، وقد كنّا في السابق نُطالب بقانون لحماية الطفل، وها هو القانون موجود، لكنه يتبخّر على أرض الواقع، ولا يجد المساحة التي يدخل بها إلى حيّز التنفيذ!
أتصوّر أن مثل هذه الجريمة النكراء من المهم أن يحيط بها فريق متخصص، ويتم تشكيل لجنة لكل قضيّة، وألا تترك القوانين محل اجتهاد وتعاطف، فالشخص المتحرّش يجب أن يخضع للعلاج النفسي على الأقل قبل إطلاق سراحه، وإخراجه إلى الحياة ليرتع في الفساد ويأخذ عملية تطوير نفسه وقدراته في أن يتحرّش مجددًا دون أن يصل إلى القانون، لأن هذا مرض لن يتشافي صاحبه بالحبس شهر أو شهرين.
قضايا التحرّش بالأطفال بحاجة إلى قوانين صارمة وموحدة، هذا أقل ما يُمكن فعله ليشعر المجتمع بالأمان على أطفالهم، ولنا في القانون الإماراتي قدوة فهو يجمع بين المواد القانونية والإنسانية والأخلاقية وكذلك الاتفاقيات الدولية، كنت أتمنى لو قرأت بيانًا استنكاريًا من قِبل الجهات المهتمة بالقضايا الحقوقية كهيئة حقوق الإنسان تشجب فيه وتستنكر إفلات المتحرّش بالأطفال، حتى لا يكمل مسيرته وفساده!