د. فوزية البكر
روحي وما ملكت يداي فداه ....... وطني الحبيب وهل أحب سواه؟
وطني الذي قد عشت تحت سمائه ..... وهو الذي قد عشت فوق ثراه
وطني الحبيب وأنت موئل عزة .... ومنار إشعاع أضاء سناه
في كل لمحة بارق أدعو له ....... في ظل حام عطرت ذكراه
في موطني بزغت نجوم نبيه ...... والمخلصون استشهدوا في حماه
في ظل أرضك قد ترعرع أحمد .... ومشى منيب داعيا مولاه
يدعو الى الدين الحنيف بهديه ...... جلا الظلام وعززت دعواه
في مكة حرم الهدى وبطيبة .... بيت الرسول ونوره وهداه
يقول الكاتب التشيكي ميلان هوبل (إن شئت استئصال شعب ما فلتكن أول خطوة هي محوذاكرته، سحق ثقافته، تدمير تاريخه، إحراق كتبه ثم تكليف من يتولى بناء ثقافة جديدة واختراع تاريخ جديد ولن يمضي وقت طويل حتى تبدأ الأمة في نسيان ما هي وكيف كانت).
هذا بالضبط ما فكرت فيه وأنا أرى الجيل الجديد لا يعرف ولا يتذوق أغاني وطنية خالدة كهذه التي شدا بها المرحوم طلال مداح اوتلك التي شدا بها مع مطرب العرب والجزيرة محمد عبده (قلبي تولع بالرياض) وغيرها من الأغنيات الوطنية العظيمة التي ربينا عليها أجيالا متتالية قبل أن تقفز فترة الصحوة المظلمة فتطبق على قلوبنا وعقولنا وتطمس ذاكرتنا الجماعية. جيل اليوم ظلم جوراً بسبب التشدد حين أصبح كل ما له علاقة بالفن والكلمة والطرب واللحن الشجي محرما في عهده. تذهب إلى مصر أو بلاد الشام فتجد الجميع بدءاً من طفل الروضة وحتى الشيخ الكبير يردد الأهازيج الشعبية وأغنيات فيروز ووديع الصافي، تتناقلها الأجيال تباعا: أغان وأناشيد وتطريبات رضعوها وهم صغار فكونت جزءاً مهماً من الذاكرة الشعبية العامة التي تربطهم بأرضهم وبكل ما يحمله محتوى هذه الأغنيات من طيور وأشجار ومواسم وحقول، فأين هذا الجزء من ذاكرتنا العامة ومن ساهم في تدميرها؟
كيف سيغفر لنا التاريح أننا لم نسمح لطلاب مدارسنا كجزء من تعليمهم درس الوطنية ترديد أغنية السامق محمد عبده التي خطتها أنامل العبقري غازي القصيبي:
أجل نحن الحجاز وأهل نجد
هنا مجد لنا وهناك مجد
ونحن جزيرة العرب افتداها
ويفديها غطارفة وأسد
ونحن شمالنا كبر أشم
ونحن جنوبنا كبر أشد
و نحن عسير مطلبها عسير
ودون جبالها برق ورعد
هل هناك أجمل من هذه الكلمات سواء في الأولى أو الثانية وهي تلخص بكلمات ساحرة التاريخ الديني العظيم لهذا البلد الأمين وتجزي في تعداد محاسن جنباته الشامخة فكيف حدث ان سمحنا لوحش الجهل والفظاظة والقسوة ان يغتال كل هذا الجمال في حياتنا، فلا نمنح الشباب ما يرددونه غير هذه الاغنيات الأجنبية الصاخبة التي اعتادوها أثناء ألعابهم الإلكترونية؟
أتذكر أثناء تغول الصحوة وفي أثناء مقابلات طالبات الجامعة للقبول كان السؤال عن حب الوطن يبدو مضحكا وهزيلا فلا أحد بالضبط يعرف ماذا كنا نقصد لكنها عبارة تلقنها الطالبات لبعضهن عن أهمية محبة الوطن لكن من يلومهن؟ هل منحناهن في البيت أو المدرسة لحظة يستشعرن فيها عمق ودفء هذه العلاقة؟ هل يمتلكن الذكريات المشتركة مع الآخر (المواطن والمواطنة) في شرق المملكة وغربها وشمالها وجنوبها؟ هل أضاء اباؤهم او أمهاتهم نور هذه الكلمات ليرددنها عبر طفولتهن؟ لا أظن للأسف لكن الحمدلله ان الوقت قد ألهمنا لتدارك ذلك وهاهي أغنيات الوطن قد عادت من جديد ترفرف في يومنا الوطني.
سأترككم مع كلمات مخطوطة وصلتني تحت اسم: رسالة إلى وطني كتبتها القارئة: حصة بنت عبدالعزيز، حيث تقول:
علموني أن الوطن أم!! صدقتهم في صغري وآمنتُ بقولهم.. لكنني حينما كبرتُ وعرفت كنه الأمومة.. أيقنتُ بأن الوطن ابنٌ لي.. أحبه وأعشقه وأرعاه.. وأخاف عليه من غدر الزمن وصحبة الأشرار.. أرى عيوبه ونقائصه وأتمنى تغييرها.. لكنه يظل ابني الذي أحبه.. أتخيله بعد سنوات وهو شامخٌ.. متميّز.. متحضّر ينافس أقرانه.. فادعوا معي بأن يحفظ الله لي وطني من كل شر.