د. محمد بن إبراهيم الملحم
حسب الويكيبيديا فإن التلوث هو «إدخال الملوثات إلى البيئة الطبيعية مما يلحق الضرر بها ويسبب الاضطراب في النظام البيئي»، وفي المدرسة فإن التلوث البيئي هو المتعلق بالأخلاق والسلوك فيكتسب الطفل قيما وممارسات سلبية غريبة على تربيته المنزلية نتيجة تعرضه للتلوثات المدرسية، وهذه لا تخلو منها مدرسة لاختلاف بيئات الطلاب وهي لازمة من لوازم التفاعل الاجتماعي الحضري والتي أولها المدرسة فهي نمذجة مصغرة لمجتمع الكبار، المشكلة تكمن في أبعاد هذا التلوث كميا ونوعياً فالناحية الكمية تتمثل في التباين الكبير بين ثقافة الطالب المتعرض للتلوث وثقافة الطالب مصدر التلوث فيقع الآباء في أزمة لما يكتسبه ابنهم أو ابنتهم من سلوك يصعب عليهم التخلص منه ويجعل التنشئة الاجتماعية القويمة عملية معقدة بالنسبة لهم. هذا التباين الكبير له أسبابه الكثيرة التي تتعدى مستوى المدرسة والتعليم وتتطلب حملة إنقاذ من عدة مؤسسات، ولكن المشكلة التي نجدها الآن أن هذه الظاهرة ليست محل اعتبار لدى المؤسسة التعليمية لتخفيف حدتها أو برمجتها على الأقل في خططها.
أولياء الأمور ذوو الوعي والاهتمام بأبنائهم يتصرفون، فالمقتدر يدخلهم مدرسة أهلية مرتفعة رسومها نسبيا، بينما آخرون يدخلون أبناءهم بالواسطة إلى مدارس حكومية ذات سمعة حسنة توفر بها مدير وطاقم تدريس يضبطون السلوك، ولكن يظل قطاع عريض من أولياء الأمور دونما حل لهذه المشكلة التي ربما أرقتهم أكثر من تردي مستوى المعلمين التدريسي، فكثير من الآباء والأمهات اليوم معلمون أو متعلمون قادرون على تدريس أبنائهم في المنزل، وما يريدونه لأطفالهم هو الاندماج في جو المدرسة وتكوين الصداقات ليعيش حياته كطالب دون أن يصيبه هذا التلوث المزعج.
هل تتوقف المشكلة هنا؟.. مع الأسف لا، حيث يأتي البعد النوعي لها ليسفر عن جرح عميق بدأت ندوبه وأخشى أن يتعمق شيئاً فشيئاً مع تدهور قيم الأجيال القادمة.. ذلكم هو التلوث الناجم من المعلمين أنفسهم والهيئة التعليمية في المدرسة فممارساتهم غير القدوة تعمق هذا التلوث، وهذه أمثلة على تلك الممارسات: الاستخدام غير الرسمي للغة والعبارات النابية أحياناً - التدخين في الفسحة أمام الطلاب - الكلام مع الطلاب في أنواع التفحيط وأصوله - اهتمامه بسفاسف الأمور كالموضة وألعاب البلاي ستيشن - يطلب من الطالب أن يشتري له سجائر من البقالة المجاورة - يشرح الدرس في 10 دقائق ويترك بقية الدرس للسوالف - يعود الأطفال التزلف والنفاق لشخصه، هذه أمثلة بسيطة لما يحدث وهناك ما هو أكثر وأعمق أحياناً.
هذه تلوثات أو حروق من الدرجة الأولى أما الدرجة الثانية فتتمثل في أولئك الذين يلعبون مع الطلاب بالجوال - أو يفحط أمامهم - أو يقول لهم أنا سأنام وأنتم ألعبوا ولكن لا تظهروا صوتاً حتى لا يكتشفني المدير - أو يغشش الطلاب بشكل صريح في الاختبار - أو يجعل من نفسه مضحكة للطلاب - أو يعطي الطلاب سجائر. وربما نختلف في تقييم نسبة وجود وانتشار تلوثات الدرجة الثانية لكن أتوقع أن أغلبنا يتفق على أن الدرجة الأولى منتشرة ومشاهدة وتزداد يوماً بعد يوم، وأننا إن أغمضنا أعيننا عن تلك القليلة من الدرجة الثانية تغولت وافترستنا يوماً ما.