د. حمزة السالم
البطالة شأنها شأن غالب المؤشرات، قد يُتلاعب في أوزانها أو مدخلاتها فتعكس غير حقيقتها. فالمؤشرات مجرد معلومات خام لا يمكن الخروج منها بنتيجة قبل معرفة كل تفاصيل قصتها من خلفها. فكمبوديا الشيوعية تكاد تنعدم البطالة فيها، مثلها مثل قطر. فهل اتفاقهما في صورة النتيجة، أي انعدام البطالة فيه دلالة على صحة الاقتصاد، أو فيه دلالة على تماثل السبب أو تشابه في حقيقة النتيجة. فالفقر الشديد سبب انعدام البطالة في كمبوديا، والغنى الشديد هو سبب انخفاض البطالة في قطر. والحقيقة الاقتصادية هي أن إنتاجية العمالة في كل منهما إنتاجية منخفضة. فعمالة كمبوديا بسيطة تافهة لا تكاد تنتج شيئا ذا قيمة، وإن كانت شاقة. بينما عمالة قطر - والخليج كله- هي في الواقع بطالة مقنعة.
وتشابه كمبوديا وزمبابوي في الفقر، لم ينتج عنه نفس النتيجة وتناقضا في معدل البطالة. فإن كانت البطالة قريب الصفر في كمبوديا فهي تصل إلى 95% في زمبابوي. وذلك لاختلاف السبب. فالسبب، هو انفلات الأمن وغياب السلطة في زمبابوي الذي منع سبب الفقر من تحقيق نتيجة كمبوديا.
وفي الدول نفسها، تختلف الأسباب وحقائق النتائج كذلك. فشبه انعدام البطالة في ألمانيا في أوائل الستينات ليس كشبه انعدام البطالة في الحقبة النازية. فالأولى بناءة والثانية هدامة.
ونحن لسنا كالغرب لنتبع خططهم وطريقتهم التطويرية. فالحرب تُحي الاقتصاد وتقضي على البطالة في الدول المنتجة، كما حدث لأوربا وأمريكا. والحرب نفسها تقلب الوضع في الدول المستهلكة فتحي البطالة وتقضي على الاقتصاد، كما هو الحال في زمبابوي وسوريا.
ومعدل البطالة الطبيعي عندنا في السعودية قبل البترول كان منخفضا، شأنه شأن معدل البطالة نفسها، وذلك بسبب قلة موارد بلادنا قبل البترول مع بساطة الاقتصاد. فشأننا كان لا يبعد كثيرا عن شأن عصر النبوة قديما أو كحال كمبوديا اليوم.
ومع سنوات الطفرة الأولى للبترول، لم يرتفع معدل البطالة عندنا، ولكن ارتفع - آنذاك- معدل غير المشاركين من القوة العاملة السعودية. فالعازف عن العمل لا يحسب في معدل البطالة. والسبب هو زهادة الناس في الوظائف ذات الرواتب المنخفضة . فقد ندر مثلا أن تجد من يقبل بإمامة المسجد أو التأذين بالصلاة. وثم ها هم بعد الطفرة يقتتلون عليها، -للسكن خاصة-.
وأما اليوم، قد ارتفع عندنا معدل البطالة الطبيعي ارتفاعاً كبيرا، والسبب هو عدم ملاءمة المهارات للقوة العاملة لاحتياجات السوق، لتخلف العقل السعودي عن اللحاق بمنطقية الحضارة المعاصرة.
فبما أن البطالة سببها الدورات الاقتصادية، وقد كانت عندنا نحن في طفرة البترول، وبما أن البطالة الطبيعية سببها هو تطور الاقتصاد وتنوعه وثراؤه. ولذا فلعله من الصواب إلى حد كبير أن نقول إن البطالة عندنا تكاد تكون مكونة كلها من بطالة طبيعية فقط تتركز في عدم ملاءمة مهارات القوة العاملة لاحتياجات السوق، والذي سببه تقدم الاقتصاد عن مقدرة العقول السعودية. فبداية التفكير في المشكلة يجب أن يبدأ في النظر في العقل السعودي.