محمد آل الشيخ
بعد مجازر السوريين المدنيين في حلب وجلهم من كبار السن والنساء والأطفال، جعلت النظام الروسي يستحق وبجدارة أن ينال لقب (هتلر القرن الواحد والعشرين)؛ مناظر القصف البشع الذي لا يبقي على البشر ولا على الحجر، سيظل في تاريخ هذا النظام المتدثر بدثار الديمقراطية زوراً وبهتاناً، نقطة سوداء ما بقي تاريخ الإنسان على الأرض. وهذا النظام على ما يبدو يحاول أن يعيد مجد الاتحاد السوفييتي، لكنه لم يتعظ من الأسباب والبواعث التي أدت إلى سقوط وتفكك وانقراض الاتحاد السوفييتي. الفشل الاقتصادي هو الذي أسقط الامبراطورية السوفيتية وليس افتقارها لقوة السلاح الذي كانت تملك منه حينها كل العوامل التي تجعل تلك الامبراطورية دولة عظمى يحسب لها ألف حساب وحساب. وفي تقديري أن روسيا تكرر مشكلة الاتحاد السوفييتي التي عصفت به، وجعلته يختفي من الخارطة، إنه الفشل الاقتصادي.
روسيا تعتمد في اقتصادياتها بشكل شبه رئيس على النفط والغاز، وعلى تصديره للخارج، وليس في القطاع الصناعي الروسي سوى بضع صناعات عسكرية ورثتها من الاتحاد السوفييتي، هذه الصناعات تعتبر الآن عند مقارنتها بالصناعات الأوربية والغربية صناعات رديئة، لذلك لا يشتريها منهم إلا الدول المضطرة، التي لا تستطيع شراء الأسلحة الغربية إما بسبب مقاطعة تلك الدول لها كإيران مثلاً، أو لتدني أسعارها، نتيجة لافتقارها للتقنيات العسكرية الإلكترونبة الحديثة، التي أصبحت تعطي لأسلحة العصر تقننيات دفاعية تفتقر لها أسلحة روسيا والصين.
وليس لدي أدنى شك أن المبالغة في إظهار القوة الروسية في قصف سوريا بهذه الأسلحة المدمرة يعود إلى محاولة الجنرالات الروس استرجاع هيبتهم بعد أن تلاشت مع تلاشي الاتحاد السوفييتي، غير أن هذا الاندفاع غير المبرر وغير العقلاني سيؤدي بهم مرة أخرى للمأزق السوفييتي نفسه، خاصة إذا ما طال أمد الحرب السورية، ولم يستطيعوا حسمها لا هم ولا الميليشيات الإيرانية على الأرض.
النقطة الثانية، أن انسحاب الرئيس الأمريكي أوباما من المواجهة العسكرية، كان له أثر كبير انعكس على الروس العائدين بقوة إلى فرض هيمنتهم على بعض مناطق العالم التي يعتبرونها ضمن نطاقهم الحيوي، مثل الشرق الأوسط. أوباما يحاول دائماً أن ينأى ببلده عن المواجهة وفرض الأمر بقوة السلاح والاستعاضة عنها بالعقوبات والضغوط الاقتصادية، وهذا ما أعطى الفرصة سانحة لبوتين أن يستعرض بقدر كبير من الحرية القوة الروسية، لذلك يجب أن يشيّد الروس نصباً تذكارياً للرئيس أوباما الذي استطاع بخوفه وتردده أن يُفسح كل هذا الحيز لبوتين أن يصول ويجول؛ ومن هنا يمكن القول إن الاتحاد السوفييتي الذي أسقطه الرئيس «ريجان» في نهاية الثمانينيات من القرن الماضي استطاع أوباما أن يعيده إلى الحياة مرة أخرى في مطلع القرن الواحد والعشرين.
وعلى أية حال فلا أدري عن سوريا هل ستكون منطلقاً جديداً لعودة روسيا نجماً من نجوم القوى العالمية العظمى، أم أنها ستنتهي مثلما انتهى الاتحاد السوفييتي. الأيام القليلة القادمة كفيلة بالإجابة.
إلى اللقاء