د. أحمد الفراج
صوّت الكونجرس الأمريكي، بمجلسيه الشيوخ والنواب، على نقض فيتو الرئيس باراك أوباما، ضد قانون جاستا، كما توقعنا قبل أيام، وبذلك يصبح «جاستا» قانوناً، يستطيع بموجبه الناجون من أحداث سبتمبر، وذووهم، رفع قضايا تعويضات مالية على المملكة، والغريب أنّ مشروع القانون كان مسيساً منذ البداية، بدءاً من توقيت عرضه على مجلس النواب، بالتزامن مع الذكرى الخامسة عشرة لأحداث سبتمبر، وقرب إعادة انتخاب معظم أعضاء المجلس، وليس انتهاءً بنقض الفيتو الرئاسي بنسبة عالية جداً، وهذا كان متوقعاً، لأنه لا أحد من أعضاء الكونجرس يرغب في الهزيمة في إعادة الانتخاب، لأنّ التصويت ضد القانون، ومع الفيتو الرئاسي، قد يعني بالنسبة للشعب الأمريكي وقوف عضو الكونجرس مع دولة أجنبية، ضد مواطنين أمريكيين!.
ما يثير السخرية حقاً هو أنّ مشروع القانون كان مقترحاً من عضو مجلس الشيوخ الديمقراطي، عن ولاية نيويورك، تشيك تشومر، وهنا يجب أن نتساءل عن جدية فيتو الرئيس أوباما، طالما أنّ من اقترح القانون هو أحد كبار أعضاء الحزب الديمقراطي، ومن أقرب حلفائه، ودليل ذلك هو تصويت كل الديمقراطيين في مجلس الشيوخ على نقض الفيتو، عدا السيناتور، هاري ريد، ولأنّ هيلاري كلينتون تريد أن تبقي شعرة معاوية مع المملكة، فقد لعبت، مع الحزب الديمقراطي، لعبة « استذكاء» مكشوفة، وذلك بأن امتنع نائبها المرشح، السيناتور تيم كين، عن التصويت، وكذلك امتنع منافس هيلاري على ترشيح الحزب الديمقراطي للرئاسة، السيناتور برني ساندرز، وليت هؤلاء صوّتوا ضد فيتو الرئيس، أيضاً، لتكون نسبة التصويت 100%، بدلاً من 99%!.
وما يستفز حقاً، هو أنّ معظم أعضاء الكونجرس، الذين صوّتوا لنقض فيتو الرئيس، كانوا طوال الخمس عشرة سنة الماضية، مقتنعين بأنّ المملكة لا علاقة لها بأحداث سبتمبر، بل إنّ البارزين منهم، أقروا دوماً بأنّ المملكة ذاتها هي أكبر ضحايا الإرهاب، وأشادوا دوماً بتعاون المملكة مع أمريكا في مكافحة الإرهاب، ومنهم السيناتور البارز، والمرشح الجمهوري السابق للرئاسة، جون مكين!، وكان مثيراً أنّ المتحدث باسم وزارة الخارجية السابق، فيليب كراولي، قال خلال ظهوره في برنامج بانوراما، على قناة العربية، الأربعاء الماضي، وهو البرنامج الذي شاركت فيه، مع الزميل سامي النصف، قال إنّ أعضاء مجلس الشيوخ صوّتوا لنقض فيتو الرئيس، لعدم علمهم بأنّ ذلك مخالف للقوانين الدولية!!، ويا لها من حجة لا تقنع أحداً، فإن صدّقناها، فهذا يعني أنّ معظم هؤلاء الجهابذة لا يفقهون في القانون الدولي، وهذا ادعاء غير صحيح، فمعظمهم من أبرز المحامين، ورجال القانون، كما أنّ لديهم كوادر، ومستشارين من أرقى مستوى، ولم تكن هذه هي المغالطة الوحيدة.
السيد كراولي، أيضاً، ذكر أنّ هذا القانون خاص بأحداث سبتمبر، وهذا غير دقيق، فهو قانون يشمل أحقية أي دولة برفع قضايا على مسؤولين أمريكيين، مدنيين وعسكريين، من قِبل دول أجنبية، وهذا ما ذكره الرئيس أوباما في حيثيات الفيتو، ضد قانون جاستا، وغنيٌّ عن القول إنّ أمريكا لها خصوم في كثير من دول العالم، التي قتل الجيش الأمريكي مدنيين أبرياء من مواطنيها، خصوصاً أثناء ملاحقتها لخلايا تنظيم القاعدة، والآن، وبعد إقرار القانون، علينا أن لا نقلق كثيراً، وأن نركز الجهود على الاستعانة بأفضل المحامين، ولنتذكر أنّ المرافعات القضائية قد تستغرق سنين طويلة، والأهم، هو إعادة النظر في أداء إعلامنا الخارجي، وممثلينا الدبلوماسيين، وكبح جماح المتطرفين، الذين أوصلونا بشطحاتهم، التي تندّر عليها الإعلام العالمي، إلى هذه المرحلة، فلعلّنا نفعل!.