قامت الدولة بعمل برنامج جبار للابتعاث يهدف الى توفير الكوادر الوطنية وتوطين الوظائف في مختلف المجالات. وكان للتعليم العالي أو الجامعات السعودية نصيب كبير في الابتعاث لوجود نقص كبير في الإكاديميين السعوديين في أغلب الجامعات وخصوصا العلمية منها. وما يؤكد ذلك هو تركيز الابتعاث على درجات الماجستير والدكتوراه. وفعلا بدأت وفود المبتعثين تعود الى أرض الوطن محملين بشهادات من مختلف الدول المتقدمة وخصوصاً أمريكا وبريطانيا ليكون لهم نصيب في دفع عجلة التنمية.
يوجد في الكثير من الأقسام وخصوصاً العلمية منها عدد يمثل الأغلبية من الأكادميين الأجانب مقارنة بالسعوديين حيث لا يمثل السعوديين في بعض الأقسام أكثر من 10% من مجموع أعضاء هيئة التدريس وفي الجامعات الناشئة قد تقل هذه النسبة بشكل كبير. يجب أن نركز أن الهدف هنا ليس إحلال المواطن مكان الأجنبي ولكني استفسر عن مدى كفاءة هذا الأجنبي مقارنة بالمواطن.
فما يطبق عليه من شروط التوظيف لا يسري على الأجنبي. التوظيف للمواطن تطبق علية شروط صارمة ويمر أولاً بمجلس القسم ثم مجلس الكلية ثم المجلس العلمي ثم مجلس الجامعة ويتخلل هذه المجالس مقابلات للمتقدم تكاد تكون أقرب للتنفير ثم الرفض بحجج لا تنطبق على مسؤولي هذه الأقسام أنفسهم. ولقد عملت في عدد من لجان التوظيف في جامعاتنا ورأيت العجب، وكأننا في متحف مفتوح لمحاربة توظيف المواطن. وعلى النقيض تعيين الأجنبي لا يمر على أي من هذه الأقسام بل من لجنة خاصة تكون من شخص أو أكثر تستقطب مباشرة دون حسيب ولا رقيب ولا يعرف ماهي المعايير التي إتخذتها في التعيين. ولقد رأيت أمثلة لأعضاء هيئة تدريس أجانب لم يجدو أساساً وظائف في دولهم إما لعدم اعتراف دولهم بشهاداتهم أو لضعفهم الأكاديمي وكانت جامعاتنا أول عمل أكاديمي لهم. ويجب التنويه أن غالبية من يستقطب لجامعتنا هم من الدول المتخلفة أكاديميا والدولة ترفض الابتعاث لها أصلا ولا تعادل شهاداتها ولا تقبل جامعاتنا توظيف خريجيها من المواطنين. ولقد رأيت أمثلة تدعو إلى الاستغراب فمثلا هناك عضو هيئة تدريس من العرب في جامعة حكومية في العاصمة حصل على البكالوريس وهو في عمر 46 وحصل على الماجستير في عمر 51 وحصل على الدكتوراه في عمر 54 ولم يسبق له العمل في المجال الأكاديمي قبل تعيينه في الجامعة السعودية حيث كان يعمل في مدرسة ثم نادي رياضي ثم مستشفى ثم مؤسسة عقار ثم بقدرة قادر أستاذ مساعد في الجامعة السعودية. والكثير من الأمثلة لأعضاء هيئة تدريس لا تعترف بشهاداتهم وزارة التعليم بل هناك أعضاء هيئة تدريس من جامعات وهمية في جامعات حكومية وأهلية على رأس العمل الآن. لو كان مبرر توظيف الأجنبي مكان المواطن هو الكفاءة الأعلى للأجنبي لكان هناك تفهم لآلية المفاضلة ولكن الغريب أن المواطن المبتعث يأتي من دول متقدمة في التعليم على حساب الدولة ومعادلة له شهاداته ولا يحصل على وظيفة.
لعل من أسباب عدم نجاح الجامعات الحكومية في توظيف المواطن هو في أساسه خلل في نظامها. فهناك بدل الندرة الذي يصرف للأقسام التي يكون فيها عدد السعوديين أقل من 50% ويكون بنسبة تبدأ من 25% في التخصصات النظرية ويصل إلى 40% في التخصصات العلمية من الراتب الأساسي ولذلك يحرص بعض الأكادميين في هذه الجامعات على عدم تجاوز هذه النسبة وذلك بالحد من توظيف السعوديين للحصول على بدل الندرة. والسبب الآخر هو استغلال بعض أعضاء هيئة التدريس السعوديين للأجانب في كتابة البحوث وتأدية مهام شخصية لهم. وهناك أيضاً الخوف من أن يودي توظيف المواطن إلى تهديد المراكز الإدارية لأعضاء هيئة التدريس السعوديين.
معالي وزير التعليم إن المبتعثين والخريجين من الجامعات السعودية أمانة في عنقك فلا تخذلهم ولا تهدر المليارات التي صرفت عليهم. الحل في رأيي هو التوظيف المركزي من قبل الوزارة للمبتعثين والخريجين من الجامعات السعودية وذلك بمعرفة احتياجات الجامعات من أعضاء هيئة التدريس ومن ثم توظيفهم مباشرة من قبل الوزارة دون تدخل من الجامعات إلى أن يتم القضاء على خلل التوظيف في الجامعات الحكومية.