عبدالعزيز السماري
السلطة أو أولئك الذين يبحثون عن امتلاك زمام الأمور في كل الاتجاهات واقع ملموس في مختلف المجتمعات البشرية، لكن الاختلاف بينهم يكمن في مسألة الوعي والحكمة والقدرة على موازنة الأمور في الوطن أو غيره من التجمعات البشرية، وما يحدث في سوريا دليل جلي على غطرسة السلطة وعنجهيتها وخروجها عن إطار الحكمة إلى قمة الجنون، وهل يفيق المرء بعد جنونه؟
ولو اختارت في البدء أن تتعامل بحكمة مع أول مطالبات إصلاحية من الشارع، لربما تحولت إلى رمز تاريخي في تاريخ البلاد، لذلك مهما تعددت وجوه السلطة لا مفر من أن تتصف بالاتزان، فالمجتمعات تتطور وتتبدل من حال إلى حال، وإذا لم تستطع مواكبة التطور تحدث المواجهة، ويكون الثمن باهظاً للانتقال إلى حال آخر، لكن حجم الخسارة لا يمكن أن يسمح باستمرار الحال كما كان، ولذلك لا يمكن أن يعود بشار الأسد أو غيره لحكم بلاد استباحها وسحق جماجم شعبها في الشوارع.
السلطة البدائية أقرب لكائن حي لكن مراحله العمرية تسير في اتجاه معاكس لعقارب الساعة، فعادة تبدأ أول مراحلها بشيء من العقلانية والحكمة، لكنها مع مرور الزمن تتقهقر إلى الخلف، إلى أن تصل مرحلة مشبعة بالغرائز الحسية، وبحب تملك الأشياء لدرجة الإدمان، وبذلك تتحول العلاقة بين السلطة والمجتمع إلى علاقة تملك مطلق، وتؤدي في نهاية الأمر إلى الكارثة.
السلطة المتزنة أقرب لحال الأب المسؤول في العائلة الصغيرة، الذي يتحتم عليه أن يكون منصفاً ومتوازناً بين أبنائه، وإلا خرجوا عن الطوق، وتحولت حياته وحياتهم إلى استبداد وتعسف وتمرد، ومن ذلك جاءت شعارات الحرية والأخوة والمساواة، التي كانت رمزاً لمرحلة جديدة بعد سقوط النظام الأبوي القديم في أنماطه المتخلفة.
السلطة المثالية هي التي تقوم بدور القاضي الأكبر، الذي يحفظ ميزان العدالة في مرحلة متوازنة بين أبناء شعبه، ثم لا يحيد أبداً عن ذلك الميزان، وإن حاد فقد الشيء الكثير من مكانته، وإذا تطورت إلى طبيعة سلطوية ترتفع معدلات الضوضاء بين الناس، وتبدأ المواجهه الكلامية والاصطدام معها.
السلطة الناجحة تلك التي تكون بمثابة روح القانون، على أن ألا تجعل من القانون أداة للانتقام أو توقيع العقوبة على من يختلفون معها، ولكن تكون راعية له وبمثابة الروح التي تبعث فيه مشاعر الإنصاف، وتصل من خلالها إلى معدلات العدالة المنشودة في المجتمعات البشرية الأكثر تعليماً وتطوراً.
السلطة الحكيمة هي التي لا تعتقد أن امتلاكها للسلاح والمال هو بمثابة صك شرعيتها المطلق، وغالباً ما كان هذا الاعتقاد الخاطئ سبباً لحدوث الكوارث الكبرى كما هو الحال في سوريا والعراق وربما طريقاً مفتوحاً للهلاك والدمار للجميع.
ما حدث في سوريا وقبل ذلك العراق وليبيا أمثلة حية على جنون السلطة ووصولها إلى حدود الهوس بالتحكم في جميع الأشياء، وكانت غطرستها وعنجهيتها سبباً لمختلف مراحل الدمار التي مرت وتمر فيها تلك البلدان، بينما كان الحل التاريخي في متناول أيديهم في يوم ما، لو فكروا للحظة قبل مرحلة الجنون أن الاستبداد المطلق بكل الأمور فكرة شيطانية مصيرها دائماً الهلاك للجميع..