علي الصراف
يتجه جمهوريو الولايات المتحدة الى التسليم بأنه ربما كان من الأفضل لهم أن يخسر مرشحهم للانتخابات الرئاسية. ولكن ليس لأنه أسوأ من خصمه بالضرورة، بل لأن القادم أسوأ! لقد كانوا في السلطة عندما نشبت أزمة الرهون العقارية، ولا يريدون أن يكونوا في السلطة عندما يأتي ذلك الأسوأ.
كذلك هو حال حزب العمال في بريطانيا. فنوّابه يسلمون بهزيمتهم المقبلة في الانتخابات ليكسبها المحافظون متى ما رغبوا بها. ولكن ليس لأن زعيمهم جيرمي كوربن غير قادر على تقديم بديل، بل لأن بديله نصف الاشتراكي لن يبدو مقبولا من دون أزمة طاحنة.
انظر ماذا يتجمع في الأفق، وسترى وضعا لم يسبق له مثيل.
بينما ينتقد دونالد ترامب وضع الديون في الولايات المتحدة (التي تجاوز حجمها 19 تريليون دولار، بما يصل إلى نحو 108% من الناتج الإجمالي المحلي)، فانه يريد خفض الضرائب، بدعوى تشجيع الصناعات على العودة إلى الولايات المتحدة بدلا من نقل مصانعها الى الخارج. رجل العقارات لا يريد أن يفهم أن تلك الصناعات هاجرت لتبحث، ليس عن ضرائب أقل، بل عن كلفة انتاج أقل.
واضح أنه لا يملك جوابا اقتصاديا مقنعا، ولكنه ربما كان يعرف أن نسبة 1% من الفوائد على تلك الديون سوف تعني 190 مليار دولار سنويا يتعين دفعها للدائنين، وإلا فلن يكون هناك معنى لتقديم المزيد من الديون.
فهل تملك هيلاري كلينتون جوابا أفضل؟
تراهن كلينتون على رفع الضرائب لتمويل البرامج المحلية (التعليم، الصحة...إلخ). ولكن المشكلة ليست هنا فعلا.
المشكلة هي أن حجم الدين العام الهائل لن يتيح فرصة حقيقية لتحقيق أي نمو. وذلك بينما يتطلب النمو بحد ذاته ديوناً أخرى. نحن في الواقع أمام قطارين بلا مكابح يسيران على سكة واحدة. فالديون تلتهم القدرة على النمو، والنمو لا يتحقق إلا بالمزيد من الديون.
توقع تقرير صدر عن مكتب الميزانية في الكونجرس عام 2013 أن الدين الحكومي الأمريكي سوف يصل في العام 2023 إلى 26 ترليون دولار. ولكنه توقع أن تتراجع نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي إلى 69% في ذلك العام.
هذه «النبوءة» ما تزال تستوجب أن يرتفع الناتج الإجمالي ليصل الى 27 تريليون دولار، من 18 تريليون دولار الحالية. ولكي يمكن تحقيق هذا الهدف، فإنها تتطلب نموا بمعدل يزيد عن 3% على مدى السبع سنوات القادمة.
ماذا لو لم يحصل ذلك؟ وماذا لو لم يقفز الناتج الإجمالي 9 تريليونات أخرى؟
تيريزا ماي، رئيسة الوزراء البريطانية، الغارقة في مأزق «بريكست»، تتحدث اليوم عن كل شيء (استعادة السيادة، حماية الجنود البريطانيين في الخارج، تعديل القوانين...إلخ) إلا عن الشيء الرئيسي وهو: إذا خرجت بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، فهل سيكون بوسعها أن تكسب أسواقا بديلة لتحقق النمو المطلوب؟
المشكلة هي أن الأسواق مشبعة، والاقتصاد الصيني نفسه، الذي حافظ لوقت طويل على معدل عال للنمو، يعاني اليوم من اختناقات تصديرية جمة.
فإذا لم يتحقق النمو المنشود، بينما ارتفعت الديون، فهل يمكن معرفة ماذا سيحدث على سكة القطارين؟
هناك بنك نمساوي صغير، يحكي، بمفرده، كل حكاية المأزق الاقتصادي الدولي الراهن.
«هيبو ألب أدريا» في إقليم كارينثيا النمساوي باع سندات لصالح هذا الإقليم بقيمة 11 مليار يورو، ولكنه عجز عن تسديد كلفتها للدائنين. ولولا تسوية سمحت بتسديد هذا الدين على أقساط تمتد لـ18 عاما، لكان من الحتمي أن يعلن الإقليم إفلاسه، ومعه البنك أيضا.
لقد أراد ذلك الإقليم أن يستثمر في منطقة البلقان لتحقيق النمو. ولكنه عجز عن أن يحقق ما أراد بسبب الاضطرابات المتواصلة هناك.
الولايات المتحدة جربت الشيء نفسه عندما غزت العراق، فعجزت عن أن تسترد كلفة الغزو، وبقيت الأعباء تنتظر التسديد.
المعادلة كانت تتطلب ديونا عالية المخاطر لتحقيق النمو. اليوم صار من المطلوب أن يتحقق نمو لتسديد كلفة الديون!
بعبارة أخرى، كنا بحاجة الى الديون لتمويل النمو، ولكنها كبرت حتى صرنا بحاجة الى نمو لتمويل كلفة الديون.
النمو نفسه صار تجربة عالية المخاطر. فمن دونه سوف يحدث التصادم، و»الإقليم» (الغرب كله) سوف يضطر إلى الإعلان عن إفلاسه، إذا لم يجد ما يدفعه للدائنين من أقساط وفوائد.
فاستعدوا لما قد يأتي به عام 2023!