د.محمد بن عبدالرحمن البشر
القرار السياسي أو التشريعي في الولايات المتحدة الأمريكية، أو أيّ خليط بينهما ليس بالضرورة أن يكون متوافقاً بصفة مجردة، وإنما يكون ذا علاقة بعوامل خارج الإدارة وداخلها، فهناك مجموعات الضغط الكثيرة والمؤثرة مثل الايباك الإسرائيلي المؤثر جداً فيما يخص المصالح الإسرائيلية ومن الغريب أنه لم يسجل بصفة رسمية على أنه كذلك رغم معرفة الجميع بأسباب وجوده وغاياته، وهناك مجموعة ضغط كثيرة لشركات السلاح، والبترول، والبيئة وغيرها.
وهناك عوامل داخل الإطار الحكومي، مثل أعضاء الشيوخ والنواب، وداخل الإدارة نفسها، فكثيراً ما نسمع بمواقف متباينة بين البيت الأبيض ووزارة الخارجية أو الاستخبارات أو الدفاع، وقد يصل التباين في بعض الأحيان إلى حد الاختلاف الكامل نحو قرار بذاته.
والأمر لا يخلو من مصالح حزبية وشخصية، تتعلق بانتخاب حزب أو فرد ليتم إعادة انتخابه رئيساً أو عضو في مجلس الشيوخ أو النواب، ولهذا فلا غرابة أن تصدر بعض التشريعات أو القرارات التي لا تصب في مصلحة الولايات المتحدة الأمريكية في المدى القريب أو البعيد.
الولايات المتحدة الأمريكية لديها إستراتيجية البقاء باعتبارها القوة العظمى الأولى في العالم من الناحية السياسية والاقتصادية والعلمية وهي في هذا المنحى تحرص على أن تستقطب حلفاء وأصدقاء، وتستخدم أدوات متعددة لجلبهم أو ترويض البعض منهم، أو ابتزاز البعض الآخر، ومن تلك الأدوات نشر الديمقراطية على النمط الغربي، وحقوق الإنسان، والأمم المتحدة، ومجلس الأمن وغيرها.
الولايات المتحدة الأمريكية اتخذت قانون جاستا بعد رفضه من الرئيس، وإقراره بالأغلبية المطلقة من مجلس الشيوخ والنواب، وهو قرار يضر بالولايات المتحدة الأمريكية ذاتها، ويفتح عليها أكثر من قضية، لاسيما أن تدخلاها في العالم تتم في بعض الأحيان خلافاً للقانون الدولي والاتفاقيات الدولية والثنائية، ولهذا فأنه لو تم المضي في القرار ستواجه الكثير من المنعطفات السياسية والقانونية وتبعاتها الكثيرة، والأدهى من ذلك أن بعضاً من أعضاء المجلسين الشيوخ والنواب أعربوا عن عدم معرفتهم بما سيترتب على القرار، وكأن حالهم يقول: صوت أولاً ثم فكر في القرار وقانونيته وتبعاته، والسبب في ذلك أن المصلحة الشخصية في إعادة الانتخاب، تفوق مصلحة الولايات المتحدة الأمريكية.
الإعلام، وإبراز الآلام، والحرص على التظاهر بالتعاطف عن ضحايا تلك الهجمات الإرهابية الإجرامية، ضغطت على منطقية القرار ومصلحة الوطن بكامله.
لكنا جميعاً نتعاطف مع أسر الضحايا، الذين ذهبوا في هجمة إجرامية بعيدة كل البعد عن الإنسانية، أو تعاليم أيّ معتقد، لكن يجب التفريق بين ذلك التعاطف الداخلي والعالمي وبين أيّ قرار يتخذ لإظهار التعاطف وحسب، بغض النظر عن إضراره بالولايات المتحدة الأمريكية، وشعبها بما فيهم أسر الضحايا.
يستحيل أيّ قاضٍ أو سياسي أو فرد أن يجد دليلاً واحداً لارتباط دولة بعينها بتلك الهجمات الإرهابية، بينما من السهولة بمكان إثبات تدخلات سياسية غير قانونية للولايات المتحدة الأمريكية، في أكثر من مكان.
طنطن الإعلام كثيراً حول نسخة من تقرير لجنة لدراسة علاقة دولة أو أشخاص من دولة بعينها فيما يخص أحداث الحادي عشر من سبتمبر وزادت الطنطنة حول ثماني وعشرين صفحة سرية، وأصر من أصر على إبرازها، فتم ذلك وقرأت على الملأ ولم يكن بها ما يوحي من قريب أو بعيد بأيّ علاقة من هذا النوع، فصمت الأعلام ولم يعد ينطق حيالها بشيء.
قرار جاستا ليس له محل من الأعراف في الواقع لكن وقت طرحه في ظل انتخابات محتدمة بين الحزبين ونواب وشيوخ، وحرص كل فرد من المجلسين على إعادة انتخابه قد أدى إلى ظهوره.