أحمد بن عبدالرحمن الجبير
تابعنا باهتمام زيارة ولي العهد الأمين إلى تركيا، وهي الزيارة التي جاءت بعد لقاء الرئيس التركي في الأمم المتحدة، فالاستقبال والحفاوة يُؤكدان عظم مكانة المملكة لدى تركيا، وكانت رسالة عن علاقات إستراتيجية كبيرة، بين بلدين مسلمين في منظمة التعاون الإسلامي وفي قمة العشرين، وجاءت في لحظة إقليمية ودولية فارقة، فثمة استهداف واضح للعالم الإسلامي، وثمة عودة جديدة للتفتيت، ونهب الثروات، وهناك تعميم للفوضى والإرهاب، وهناك تخادم بين قوى إقليمية ومنظمات إرهابية، وهناك لاجئون في مختلف دول العالم 90% منهم مسلمون.
فزيارة سمو الأمير محمد بن نايف - حفظه الله - إلى تركيا ليست زيارة بروتوكولية، بل كانت زيارة في صميم العلاقات، والشراكة الإستراتيجية اقتصادياً، وسياسياً وأمنياً، حيث إن الجميع مستهدف، ولا بد من التكاتف، والتعاون بين الرياض وأنقرة.
السعودية وتركيا بينهما تكاملية عالية في مجالات مختلفة، فهناك 800 شركة سعودية تعمل في تركيا، و200 شركة تركية تعمل في المملكة، وهناك مجالات لتعاون أكبر ستشهده الأيام القادمة.
هذا اللقاء كانت قبله لقاءات عدة بين القيادة السعودية والتركية، وهو اللقاء السادس، وخلال الشهرين القادمين سيكون هناك لقاء إستراتيجي، فتركيا دولة قوية ومؤثرة، ولها مكانتها، وأيضاً المملكة دولة محورية، وذات تأثير في الاقتصاد والسياسة العالمية، كما أنه وبعد قانون «جاستا» الأمريكي، ستكون وجهة الاستثمار السعودي إلى عواصم مختلفة، وستكون أنقرة من الوجهات الرئيسة للاستثمارات السعودية.
هناك من يحاول وضع العصا في دواليب العلاقات العربية - التركية، والحديث عن تنافسية وتطلعات غير مشروعة للأتراك، وعثمانية جديدة، وهذه العصا يثيرها الإعلام الغربي، ويثيرها الإعلام الإيراني على التحديد، خوفاً من لقاء إستراتيجي بيننا، فتركيا هي الأقرب، والرئيس الطيب أردوغان ضحك من هذا السؤال، في إشارة إلى أن هناك من يعمل على إبعاد تركيا عن عمقها الإسلامي وفضائها السني.
منذ سنوات ونحن نرى في علاقتنا مع تركيا علاقة تكاملية، والساسة الأتراك أظهروا احتراماً صادقاً في علاقاتهم مع المملكة، وكانت سياسات بلادهم أقرب إلى سياساتنا، لا بل كانت تركيا دائماً إلى جانبنا عندما وجد غيرنا أن علاقاته معنا قائمة على الابتزاز، والمصالح الضيقة، أو الهادفة لهدم بلداننا، وتفتيت أوطاننا، ولهذا علينا أن نعلنها صراحة أننا بصدد علاقة تاريخية مع تركيا وإستراتيجية أيضاً.
فالرئيس التركي الطيب أردوغان التقى خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان - حفظه الله - لدى مشاركته في قمة العشرين في تركيا، وتجاوز البروتوكول احتراماً وتقديراً للملك سلمان، والتقى ولي العهد في أنقرة، وتجاوز البروتوكول الرئاسي، ومنحه أعلى وسام في تركيا، والتقى ولي ولي العهد في بكين، وأكد بأنه شاب فيه الحماسة، والرغبة في التطوير، غير أن وسائل إعلام مسمومة تحاول الإساءة لهذه العلاقات، ولا يطيب لها أن تأخذ أبعاداً إستراتيجية.
إن العلاقات المتينة والممتازة بين السعودية وتركيا فتحت الآفاق، والأبواب للمستثمر السعودي والتركي لتطوير أنشطتهم، وقد يكون من دواعي اطمئنان المستثمرين السعوديين ترشيح تركيا كأفضل استثمار عقاري في أوروبا مقارنة مع بريطانيا وسويسرا، وإسبانيا والبرتغال وفرنسا، حيث تُعد عقارات تركيا الأرخص، والأفضل من ناحية عوائد الإيجار بين دول العالم، كما أن تركيا لم تتأثر مثل غيرها بالأزمات المالية والاقتصادية العالمية.
فحجم الاستثمارات السعودية في تركيا ارتفع بسبب دخول رؤوس أموال سعودية إلى السوق التركي من خلال شركات الاستثمار التجاري والصناعي والعقاري، وتمت ملاحظة ذلك من خلال السفارة التركية في الرياض، والسفارة السعودية في أنقرة، حيث ارتفعت بنحو 40% مقارنة بالأعوام الماضية، ويُعتبر الاستثمار في تركيا أفضل من بعض الدول العربية والأوربية، حيث إن الحكومة التركية تدعم تنمية المشاريع الاستثمارية.
كلنا أمل أن تكون زيارة سمو ولي العهد الأمين فاتحة خير على البلدين لدعم العلاقات السياسية والأمنية والاقتصادية، والتجارية والصناعية، ونأمل أن يتم تأسيس، وإنشاء شركة سعودية تركية للاستثمار في الصناعة والتقنية والبناء والعقار، وإنشاء بنك تجاري سعودي - تركي لتسهيل نقل الأموال، وتحويلها بين السعودية وتركيا، وتسهيل منح التأشيرات، والإعفاء الضريبي بين البلدين ومنح إقامة دائمة لجميع المستثمرين السعوديين والأتراك.