د.خالد بن صالح المنيف
امرأة في عقدها الرابع لها شقيقان كان بينهما من العداوة والخصومة ما يعلمه الله وقد أعيتها الحيل في رأب الصدع ولم الشمل وحل الخلاف على مدار سنوات طويلة بذلت عظائم الجهود وتلمست عشرات الأسباب ولكن لم يكتب لمحاولاتها النجاح، وكانت تعيش في همّ كبير وليل طويل بسبب ما كان بين أخويها حتى اهتدت أخيراً للحل الناجع وللعلاج المضمون! وهو الحل الذي أعاد لها ابتسامتها واستردت به سعادتها وعاد الكرى لجفنيها، والحل كان: في غض البصر وكف اليد وصرف الاهتمام عن تلك المشكلة التي لا حول ولا طول لها عليها, وبدأت تركز على حياتها ونفسها وأولادها!
إن أهم مهارات (الشخصية السعيدة) امتلاك الفئتين, التمييز بين ما يتحكم وبين ما لا يتحكم به، وقد أكد هذا من آلاف السنين الفيلسوف الروماني العظيم (أبكتيوس) عندما قال:
(وظيفتك الأبرز في الحياة هي تقسيم الأشياء لفئتين، أشياء خارجية لا تستطيع التحكم بها، وخيارات متعلقة بما يمكن التحكم به فالخير والشر يكمنان في اختياراتنا!)
فثمة أمور هي خارج سيطرتنا وأعلى من مستوى تحكمنا, وهناك أمور تقع في نطاق السيطرة غير المباشرة ويدخل ضمنها كل ما يتعلق بتغيير البشر؛ فليس هناك أي ضمانة على تغيير إنسان لأن الأمر يتعلق بنفسية ورؤية وخبرة وعقلية معينة، فصرف الزوج عن عادة سيئة وتحبيب الأولاد في الدراسة أو رفع مستوى ذكائهم العقلي أو الرفع من مستوى ذوق صديق أو جعل الآخرين يعملون بنصائحك هي أمور في نطاق السيطرة غير المباشرة والعمل معها يكون بقانون التأثير لا قانون التغيير! ابذل جهدك فربما تؤثر ولكن تأكد أنك مهما حسن أسلوبك وبذلت جهدك فالتغيير ليس مضموناً! ولنتذكر دائماً أننا لا نستطيع التحكم في تصرفات الآخرين ولكن طريقة التفاعل معها والاستجابة لها هي أمور بأيدينا وتلك نعمة من الله، يقول (مايا أنجلو): ربما لا تستطيع التحكم في جميع ما يحدث لك، ولكنك تستطيع أن تقرر ألا تتركه يؤثر عليك سلباً!
وثمة أمور هي خارج السيطرة تماماً كالأجواء المزعجة أو أنظمة الدول أو تغيير الأسلوب الذي رباك عليه والديك! وتلك أمور الحل الوحيد هو تقبله والتكيف معه وتلمس ما فيها من إيجابيات ولا غير ذلك!
وقد صنفت الكاتبة (آمي مورين) مسألة التركيز على ما هو تحت السيطرة ضمن الأمور التي يفعلها الأشخاص أقوى ذهنياً، ففهم ما يسمى بـ (نطاق التحكم) أمر سيعيد لك الحياة الجميلة وسيعفيك من الهم والسهر, ولن تكون فريسة للضغوطات وستكون أكثر قدرة على الاستمتاع بحياتك، ومع تطبيق مفهوم (قانون التحكم) ستكون أكثر وداً مع من حولك وأقل محاولات للسيطرة عليها أو ممارسة دور الوصي وبعد هذا ستكون علاقاتك أكثر دفئاً، وأيضاً وهذا أمر في غاية الأهمية ستجد الوقت والطاقة لتحيق آمالك ومعانقة أحلامك!
إن عقلية الرغبة في السيطرة على كل شيء وتغيير كل الأمور تتأسس من عدة دوافع منها: أن صاحبها يستخدمها للسيطرة عن القلق! فهو يحدث نفسه أنه إذا سيطر على كل شيء فلن يبقى هناك طريق للقلق في حياته! وهذا عسف للحقيقة فمصادر القلق بقدراتك المحدودة لن تسطيع السيطرة عليها ولكن ما تستطيع السيطرة عليه هو ما يحكم تحت سيطرتك! ومن الدوافع أن صاحبها يرى تلازماً بين قدراته ونجاحه وبين سيطرته على الآخرين، وثمة دافع ثالث هو الشعور المرهف والنفس الرقيقة والقلب النابض وحب الخير للجميع والخوف عليهم كما كان عليه قرة العين محمد اللهم صل وسلم عليه ولكن القرآن عاتب حبيبنا اللهم صل وسلم عليه في مسألة توسع نطاق المسؤولية فخاطبه برقة وعذوبة: فلا تذهب نفسك عليهم حسرات!
ومن الجميل أن ما نملك التحكم به أكثر وأهم بكثير مما لا نملك التحكم به؛ فعواطفك أنت من يملك السيطرة عليها، وطريقة تفكيرك ملكك لك، وأسلوب حياتك أنت من يختاره ولا يفرض عليك، وأغلب قراراتك هي ملكاً لك، وتطوير ذاتك وتغييرها نحو الأفضل لا أحد يحول بينك وبينه؛ لذا كف عن فكرة أن تستطيع تغير ما لا تقدر عليه وتوقف عن بذل الجهد والطاقة لأمور بذلت فيها السبب وركز وصدقني أن ثمة حياة أخرى جميلة تنتظرك!
ومضة قلم
لكي تكتشف قارات جديدة، يجب أنْ تكون راغبًا في غياب الشاطئ عن نظرك.