د. خيرية السقاف
لم تكن الطفولة محور يقين بأنها في زحمة الوقائع ستكون الضحية
الضحية المقتادة للمدافن, للمنافي, بعد نحر الزيتون في عينيها, واغتيال البياض فيها.
لم تكن رغيف النفوس المزدحمة بمكرها, بغيرتها بانفراط بكرة الانتقام لتلتف حول عنقها..
تقاد بمعسول القول للأحراش المهملة, فتباغَت بجز عنقها كما تجز أعناق الماشية,..
وفي وضح النهار الجزار أب, الجزار زوجة أب, الجزار منتقم هامت به مخيلته إلى فضاء تدب فيه أقدامها اللدنة فتسقط..!!
يعتم فصل دراستها, ويوحش دفتر واجبها, وتختفي ضحكاتها عن جدار حجرتها, ويفرغ قلب أمها, وتساقط أحزانه في كف فاجعتها..
بل فاجعتنا..!
تمادى القتلة ينتهكون براءة الطفولة..
فالجرائم في حقها هذه الطفولة تمادت, تنوّعت, والموت قاسمها المشترك..!
ولئن أبكتنا تلك الجثث تحت الأنقاض في أبشع مجازر اليهود في فلسطين, وروسيا وبشار في سوريا, وأمريكا في العراق ونحوها, وفي أفحش ما تنتهكه جرائم المدمنين فيهم, والفسقة في كل مكان, فإنها تبكينا أكثر اليوم بيننا حين يكون القاتل أباً يخرج صغيره من المدرسة ليغتاله نحراً بين يديه بلا شفقة, ما نلبث أن تعود إلينا الفاجعة في أبشع صورها والأب وزوجه يتضافران بالسلاسل والأغلال, والحرق والتعذيب لتلتهم المقابر جثث الطفولة بعجزها في البيوت المظلمة, وبالأمس نُحرت ريم الرشيدي على يد زوجة أبيها, الأم لستة ولم تصرخ بين ضلوعها الأمومة بلا...
بالأمس اغتيلت غدراً ريم وهي في يومها الدراسي في فصلها الأول، إذ غادرت الطفولة المبكرة لبراءة السنة السادسة في عمرها الغض..
لكن ريم التي اغتيلت ..!!
ريم التي نشرت أمس أول صورة مشاعة لها على الفضاء
ريم الجالسة بهدوء مفعم بالتطلع العميق من عينيها مفتوح السؤال, ريم في وجهها البريء
الذي أطل علينا وهي تقعد في عربة, تمسك بحفنة ريالات, تنظر للبعيد المجهول في حنو, كأنت كالمستنبئ ما الذي ستؤول إليه ؟...
ما الذي سيكون إليه عنقها النائف في جمال ؟!..
في ملامحها توجس خفي, وشيء من حذر !!..
فوق شفتيها جملة قول لم تخرجها !!..
في عينيها أسئلة تحوم لا تحط على غصن !!..
أتراها كانت تدري أنها ستغتال في وضح نهار كان مليئاً بالأمل..؟!
يا لبراءة الزيتون في عينيها, ونور القمر في جبهتها, وحدائق الورد في خديها,..!
يا لذلك المجهول الذي كانت تتطلع إليه في عين اللاقطة..؟
ريم التي لم توارَ جثتها اللدنة الغارقة في دمائها حتى اللحظة ثرى المقبرة تفتح الملفات المغلقة
واسعة الصفحات, محبرة بالكثير من أسئلة لا حصر لها, من توقعات لا جدال فيها, من كثير مما ينبغي أن يفرض في حق الطفولة التي تغتال في وضح النهار, أو حتى ظلمة الليل على أيدي لا تعرف الخوف, ولا تمسها التقوى.
لجنات الفردوس يا بريئة طائراً يمتع بنعيمها, في رحمة الله حيث أنت منه وإليه,
يا طفلة مستقرة في خبايا فزعي, وخوفي, وأسئلتي, وحنقي, وعزائي, ودمعي, ودعائي
يا ريم كلنا في عزائك أمهات, وقلوباً, كلنا باغتيالك فزعين, قلقين!
جبر الله قلب أمك, وإخوتكِ, وزميلاتك, ومعلماتك.
وتلك ألعابك, وكتبك, وزهو ملابسك, وحليَّك لها منا العزاء..