علي الخزيم
قالت العامة: القرش الأبيض لليوم الأسود، وهو مثل أنتجته تجارب اجتماعية اعترضتها مواقف اقتصادية تعلّم منها القوم ثقافة التدبير والتوفير، وادّخار ريالات تُنْهي مشكلة قد تكون لهم بالمرصاد يوماً ما؛ من أيام يسمونها بالسوداء الحالكة، وهو سواد معنوي كناية عن ضيق ذات اليد التي تعصف بالإنسان حتى أنه ليرى حينها الدنيا وكأنها اسودت وأظلمت بعينيه، هذه الثقافة والتجارب كانت قد استسلمت لمعنى المقولة الشائعة: اصرف ما بالجيب يأتيك ما بالغيب! وهو كلام غير منطقي يدعو للإسراف وتبذير المال في غير موضعه ومناسبته، ويُشجّع على اتباع الملذات والتّنعم الزائف من غير مقدرة وكفاءة على الصرف لهذه المظاهر والقشور الزائلة.
حدث ويحدث بالتاريخ المعاصر أن دولاً قد مَرُت بهزات اقتصادية نتيجة لأسباب وظروف مختلفة، ومع أنها تُطَبّق نظام الضرائب إلا أنها تَعْمَد مع تلك الحالات لإصدار قرارات لجمع وتوفير مبالغ مالية تستعين بها على تجاوز تلك المعضلات، ويدرك مواطنوها عقلانية الأسباب ويُبْدون تعاونهم مع حكوماتهم، وربما بادر الأثرياء ورجال الأعمال لتقديم المزيد فوق ما تقرره الدوائر الرسمية، وهذا نتاج وعي وثقافة عالية بفهم الأوضاع المحيطة بهم إقليميا ودولياً، وسبق أئمة المسلمين هذه الدول بمثل هذه الإجراءات الطارئة، ولفهم الحالة اقرأ قصة (عام الرمادة) وكيف صنع الخليفة الفاروق رضي الله عنه، ولنا في قصة تجهيز (جيش العسرة) زمن النبي المصطفى مثل أعلى وقدوة تحتذى.
الذي يحدث الآن إنما هي قرارات استثنائية مؤقتة لن تدوم طويلاً، ثم ماذا لو استمرت حيناً من الدهر؟ فهي لم تلامس المرتبات الأصلية ولم تُفرض معها الضرائب والإتاوات على كل قطاع، وإن حصل ذلك لظروف طارئة فنحن قوم أعزنا الله بالإسلام الذي يحثنا دوماً على التسابق للخيرات والذود عن حياض الشريعة وأهلها، فهذا لن يكون محل تفكير أو مصدر إزعاج طالما أدركنا أن قيادتنا تعمل لخير الدين والمواطن والوطن.
أعود لمواقف بعض المتذمرين من القرارات الأخيرة وهم قلة ولله الحمد انساقوا خلف إشاعات وأوهام المُتوهمين، وقد يكون لبعضهم العذر كونهم يلتزمون بسداد قروض والتزامات أخرى ضرورية تتقاسم مرتباتهم قبل التعديلات الأخيرة، ويخشون من الضائقة، وأرى أنه من الحلول الناجحة أن نطبق نظرية (الريال الأبيض)، وذلك بطرق مختلفة منها ترك مالا يلزم، وتجاوز بعض مقومات الرفاهية ونختصرها بنزهات وطلعات غير مكلفة مادياً، نأكل ونشرب ونستمتع بما يتوفر بالمنزل، ولا نحرم أنفسنا من الفسحة والمرح، ولكن بأقل التكاليف والمصروفات، أنا لم أقتنع يوماً بأن أخرج من منزلي وأنا بحمد الله لا أشعر بالجوع ولا أفتقد الطعام ثم أتوجه لمطعم يحبسني وأسرتي بمربع ضيق بزعم الخصوصية وفي النهاية يبرز لي فاتورة باهظة لا أدري كيف أحسبها، أو أن أتوجه بمفردي لمقهى يقدم لي قهوة وقطعة حلوى بمبلغ يتجاوز المائة ريال، وأنا قد تركت للتو دلة القهوة والتمر الفاخر بمنزلي، والأمثلة كثيرة، فعلينا التفكير بواقعية (ومنهج اقتصادي) لتوفير أكثر مما استقطع من البدلات.