حسن اليمني
استوقفتني عبارة وردت في ملاحظة السيناتور الديمقراطي عن نيويورك وعراب (جاستا) المثير السيد شوك شومر قوله: إنّه سيرفض اقتراحاً يحصر القانون في هجمات 2001 على واشنطن ونيويورك، مشيراً إلى أنّ ذلك يعني القول للسعوديين، افعلوها مرة أخرى ولن نعاقبكم - تعبير صريح يمكن أن يكون صالحاً لمقاضاته أوفي أقل الأحوال إلزامه بتصحيح زلة اللسان وتصويب المعنى، على أن هذا يقطع الشك وينهي أي جدل يحاول تعمية الوازع الحقيقي لإصرار مجلس النواب والشيوخ على استصداره رغم اعتراض الرئيس.
اعتراف الكونغرس الأمريكي أخيراً بخطورة هذا التشريع والرغبة في تعديله لحماية الجنود والمسئولين الأمريكيين كأنه تأكيد على قوة الاتجاه والإصرار في مساره إلى نهايته المستهدفة، بمعنى انه رسم لهدف يرجى تحقيقه أو بشكل أكثر وضوحا هدف استراتيجي يسار به إلى أن يكون إحدى ركائز السياسة الأمريكية في القريب العاجل.
لا بد من مواجهة الحقيقة والإقرار بفشلنا طيلة سبعة عقود في بناء صوت مسموع، لم نستطع الحضور في مجالس إدارة الشركات والمصانع الكبرى ونحن أكثر المتعاملين معهم، ولم نستطع أن نبني بأرصدة ماليتنا وبنوكنا وربط النفط بالدولار رأيا وقرارا يصغى إليه ويؤخذ في الحسبان، واضح أننا كنا غير متواجدين في العمق الحقيقي لصناعة الاستراتيجيات في الولايات المتحدة الأمريكية.
إن الولايات المتحدة الأمريكية شئنا أم أبينا هي القوة الأقوى في العالم والمتحكمة بعمق في تكوين الشرعية الدولية وقيادة العالم في إدارة العلاقات والأحداث بكل أنواعها السياسية والاقتصادية والعسكرية وحتى الثقافية مدعومة بحلف قوي (الناتو) ودول أوروبا القوية مع إعلام خلاق مبدع ومؤثر وبالتالي فلا مجال إلا في حماية العلاقات معها وتمتينها، أما وقد صرنا اليوم في غمار تحول من اقتصاد ريعي إلى اقتصاد إنتاج وتسويق استثماري فالفرصة متاحة مرة أخرى ولكن بشكل أفضل وأوسع لبناء علاقة مصالح حيوية ليس مع البيت الأبيض ولكن مع الولايات المتحدة الأمريكية، نستطيع ذلك وما زيارات سمو الأمير محمد بن سلمان ولي ولي العهد الأخيرة لأمريكا إلا لتأسيس الخطوات الأساسية لبناء الحضور المؤثر والخادم الفعال وفقط نحتاج للاستفادة من ظهور هذا التشريع المجحف ليكون إلغاؤه هو التحدي الأول نحو بناء الأهداف التي سنسعى لتحقيقها مع البنك والمصنع والاستثمار الأمريكي وهو ما سينشئ لنا اللوبي السعودي الحقيقي القادر فعلا على جعل المصالح المتبادلة هي الحاكم الحقيقي لحماية العلاقة الوطيدة بين بلدينا.
إننا في حاجة لإعادة النظر في مهنية عملنا مع الولايات المتحدة الأمريكية وليس مع البيت الأبيض ولكن مع مجلس النواب والشيوخ وهوليود ومنهاتن ومواقع الإنتاج والبحث والاختراع وغيرها مما يسعى البيت الأبيض لخدمتها لنصبح من ضمن المصلحة الداخلية التي تملك الصوت والترشيح، كما أننا في حاجة إلى إعلام وطني عالمي أرضيته الهوية السعودية العربية الإسلامية وجناحاه الولاء والانتماء، نحن لا نريد أن نكون أمريكان ولكن نريد أن نكون وإياهم شركاء في تحقيق الرفاهية والأمن والسلام.
إن أحداث 11/9 فعلا قضية مفصلية فصلت ما قبلها عما بعدها وقد كان حري بالسيناتور شوك شومر أن يفصل أيضا بين دولة صديقة تتعرض هي الأخرى لعمليات إرهابية بين فترة وأخرى وتحارب جنبا إلى جنب مع الولايات المتحدة الأمريكية أوكار الإرهاب في كل أنحاء العالم بكل السبل بما فيه المعلومات الاستخبارية وبين هذه العصابات التي اختارت أن تكون في تصنيف العدو المشترك لكلا البلدين لكن يبدو وهو عرّاب هذا التشريع انه يحمل فهما مغلوطا جعله يخلط بين الصواب والخطأ ربما نتيجة لضعف الفهم والوعي بما هو أبعد من صندوق الترشح مما يخلق مخادعة حقيقية للناخب الأمريكي الذي يبحث عن الرفاهية والأمن والاستقرار أكثر من بحثه عن صخب سياسي ليس إلا رياء ونفاقا متخما بالجهل لقاء منصب مؤقت.