عُني كثيرٌ من الباحثين في عصرنا الحاضر بتاريخ الشعر النبطي منذ أن خرج من رحم الفصيح، وأخذ عنه جُلّ صفاته من مواضيع، ونهج للقصيدة العامودية، حتى تخفف من تلك القيود وصار على هيئة القصيدة العامية الغنائية التي عليها معظم الشعر العامي الآن.
ومن أبرز المؤرخين الذين عُنوا بالتأريخ لهذا النوع من الشعرالأستاذ محمد بن بليهد - رحمه الله - في كتابه (صحيح الأخبار عما في بلاد العرب من الآثار) 1951.
والأستاذ عبد الله بن خميس - رحمه الله - في كتابه:(الأدب الشعبي في جزيرة العرب) 1958والعلّامة ابن عقيل الظاهري - أطال الله في عمره على الطاعة - في كتابه: (تاريخ نجد في عصور العامية: ديوان الشعر العامي بلهجة أهل نجد) 1982م.
والدكتور غسان الحسن في كتابه: (الشعر النبطي في منطقة الخليج والجزيرة العربية) 1990م.
والأستاذ سعد الصويان في كتابه: (الشعر النبطي: ذائقة الشعب وسلطة النص) 2001.
كل هؤلاء وأكثر عُنوا عناية تامة بالشعر النبطي خاصة والعامي عامة، ولن نضيف على ما جاؤوا به من بحث، وتمحيص وتدقيق، فهم أئمة في هذا الفن، فقد أشاروا في مجمل دراساتهم إلى الاتفاق الكبير بين الشعر النبطي خاصة، والعامي عامة وارتباطه بالفصيح، لغة ونهجًا وصورًا وأخيلة، من حيث نهج القصيدة العربية؛
من ذكر اسم المحبوبة، والفخربالذات، ثم الدخول في الغرض الأساس من القصيدة كالمدح، والفخر والغزل، والهجاء، والعتاب، والحكمة وغيرها.
لقد تفنن شعراء العامية اليوم في صورهم الشعرية، حيث جاءت مبتكرة، وابنة لبيئتها كالفصحى تماماً، ولم ينقص هذا من جزالتها وقوة سبكها عند من يُعنون بقصائدهم علي غرار قصيدة الشاعر الرمزي فرحان العنزي التي يقول فيها:
يا هند صدري ضاق يا ضي عيّني
الليل ضايمني وأنا قبل منضام
ما أداني الشرقة ولا أداني الفي
والليل يجرحني سواده ولا أنام
يا هند ليه الناس ما تترك الغي؟!
يا هند ليه الناس تقطع بالأرحام؟!
يا هند ليه الحظ دايم يجي سي؟!
دايم يجي خلفي وأنا أرميه قدام!
يا هند مت من العطش والعطش مي
يا هند شوفي حالتي جلد وعظام
يا هند كان الزرع ينبت بلا ري
يجوز أحقق ما بقى لك من أحلام
يا هند قلبي فيه كيّ على كيّ
النار تأكل به وأنا رافع الهام
يا الغالية ليتك تشوفين وش بيّ
بي همّ يصلح للمحابر والأقلام
يا ليّ يا نفخة هل الكِبر يا ليّ
ما هزت أطرافي تماثيل الأزلام
أقفي عن الدنيا وأناظر بها شويّ
ولا شفت وجهك ردني شوق وهيام
شفت البروق وقلت معقول أنا حي؟
معقول أنا عايش وأنا ميت العام؟!
فركت عيني يوم طالعت للضيّ
ورديت ما بالذاكرة مثل الأفلام
حكّيت رأسي ثم صفقت بيديّ
ولقيتني عايش وميت بالأوهام
بالله من يكسرك يا قيد رجليّ؟!
مليت من سجنك تكرم بالإعدام
الله من هم طوى خافقي طي!
بين الضلوع المهدفة هوش وزحام
ماعاد به صاحب ولاعاد به خي
الا صديق شايلينه للأيام
ماني وأنا فرحان عيٍّ ولد عي
متسول ينسى صلاته إليا صام
ولالابس في كل حفلة ردى زي
باب الردى سكرت أمانه بصمام
مره بغيت أزعل وأذوق اللحم ني
لا شك ردتني تعاليم الإسلام
وأحرقت لي صندوق ما به ولا شي
إلا قصاصات بها بعض الأرقام
لنا وقفة الأسبوع القادم - بإذن الله - مع الصور البلاغية في هذه القصيدة الفاخرة.
- د. زكيّة بنت محمّد العتيبي