د.عبدالله الغذامي
كلما سألني طلاب الدراسات العليا عن حاجتهم لتعلم اللغة الإنجليزية معتقدين أن لغتنا العربية كافية بثرائها عن الحاجة لغيرها، وأرد عليهم دوما بالقول: إن الذي لا يجيد لغة حية بإزاء لغته الأم هو مثل من يدخل سباق الماراثون بقدم واحدة... سيمشي نعم لكنه لن يسبق أحدا ولن يباري أحدا. ذاك لأن اللغة الأخرى المتسمة بالثراء هي عين ثالثة وليست مجرد لغة ثانية، وحدث كثيرا أن المرء لا يعرف أسرار لغته الأم إلا بعد أن يمر ذهنه على تعاريج لغة أخرى، وهذا تأكيد للمقولة الشهيرة أنك لن تعرف خصائص بيتك إلا إن خرجت من منزلك ونظرت في منازل جيرانك وحينها ستضع بيتك في صورته الحقيقية، وهذا لأن الذهن البشري لا يستطيع تصور الأشياء إلا عبر القياس، وكما أنك لن تعرف الطويل إلا إن عرفت القصير فتميز حينئذ بين معاني التوصيف فإنك أيضا لن تتصور أسرار الدلالات والمجازات ومسارب اللغة إلا عبر حركة القياسات الذهنية التي ستتحرك في ذهنك كلما ملأته بمادة مختلفة كما هو القول العربي، وبضدها تتمايز الأشياء، والضد يظهر حسن ه الضد، ومن هنا فإن المعرفة النقدية لا تتقوى وتتساند إلا بأن يكون لداخل الماراثون قدمان لكي يسير في المعمعة ويحقق شيئا من التقدم في خطاه بين الآخرين، وربما يكمل المشوار الطويل كله وقد يتأهل للفوز، بينما يظل صاحب القدم الواحدة يرنو نحو الذي مروا من عنده وتركوه خلفهم وظل هو يظن أن ما لديه يكفيه، والحق أن الذي لديه في هذه الحالة هو موروث تركه له أناس تميزوا بأن الواحد منهم أتى بما لم يأت به سالفوه، ولو كرر سالفيه لما تردد اسمه بيننا لأن الأصل هو الذي يثبت واللعبة التقليد تتكسر مع أول استخدام.