د. فهد بن علي العليان
أعود إليكم للحديث عن موضوع لا أستطيع أن أتركه وأجدني أعود إليه من وقت لآخر، والعودة إليه هذه الأيام تتزامن مع عودة الطلاب والطالبات إلى مدارسهم وجامعاتهم، ولعلها عودة وعودة للقلم والقرطاس، للقصة والكتاب، للكتابة والقراءة.
وقد ورد عنوان المقال في حديث أحد ضيوف ملتقى (تجاربهم في القراءة) ضمن فعاليات المشروع الثقافي الوطني لتجديد الصلة بالكتاب في مكتبة الملك عبد العزيز العامة، ولعلي قبل الحديث عن (النياحة)، أطرح سؤالاً سبق طرحه، ولن ينتهي الاستفهام عنه وحوله: هل يقرأ شبابنا وشاباتنا؟ هل نعاني من ضعف الإقبال على القراءة؟ هذه الأسئلة كثيراً ما تطرح وتتداول بين مختلف فئات المجتمع، وهنا أعود إلى عنوان المقال الذي كان حديثاً لسعادة الدكتور - فهد العرابي الحارثي وحينها أشار إلى قضية القراءة لدى أفراد المجتمع وخاصةً الشباب، وذكر أنه لا داعي من النياحة على القراءة فشبابنا لديهم وسائل متعددة تمكنهم من الاطلاع على مصادر المعلومات المتنوعة. «وفي الندوة رفض العرابي ما أسماه بالنواح على الكتاب الورقي ووسائل التثقيف التقليدية، معتبراً أن أجيال اليوم تقرأ أكثر من الأجيال السابقة، وقال: إن الفرص القرائية أصبحت متعددة، بوجود منصات كثيرة للمعرفة والقراءة، على العكس من السابق، عندما كانت الفرص محدودة ومنصات المعرفة قليلة». «وفند مقولة إن الناس لا يقرؤون، مؤكداً أن الناس في هذا العصر، يقرؤون أكثر من السابق، وأولادنا أكثر ثقافة منا لأن وسائل المعرفة أصبحت متوافرة وكثيرة بصورة لم تكن متاحة للأجيال السابقة، حيث إن الأشخاص يمسون وهم يحملون مكتبات كاملة بها عشرات أو مئات الكتب على جوالاتهم أو غيرها من الوسائط الإلكترونية، كما أن عملية إنتاج ونشر الثقافة أصبحت أمراً سهلاً وميسراً في الوقت الراهن مقارنة بالعصور الماضية، مدللاً على ذلك بوجود روايات تم نشرها عبر الإنترنت تجاوز عدد قرائها أربعة ملايين قارئ».
إننا قد نتفق أو نختلف مع هذا الرأي أو ذاك، لكننا قطعاً متفقون - ولا بد أن نكون كذلك - على أهمية القراءة وإيجاد جيل قارئ؛ ومن هنا، تدور من وقت إلى آخر أحاديث بين التربويين والمهتمين بالقراءة حول مسؤولية نشر ثقافة القراءة، هل تقع على عاتق الأسرة أم المدرسة؟ هذا السؤال جميل، ويجب أن يطرح من وقت إلى آخر، والإجابة عليه ليست مستعصية من حيث الجانب التنظيري، لكن تبقى المسألة الأهم هي قضية التطبيق. ويتفق الجميع - المهتمون بشأن التعليم وأهل التربية - على الدور المهم والفعَّال للقراءة ليس في كسب المعلومة فحسب لكن في تنمية المهارات اللغوية إذ إن القراءة هي مفتاح التعلم وأولى الخطوات إلى عالم الثقافة والمعرفة فالقراءة تعد عاملاً هاماً وبارزاً في تكوين وتشكيل عقول الأطفال وثقافتهم حيث تكسبهم القدرة على التعبير السليم والفهم، وتفتح أمامهم أبواب الثقافة والاطلاع على نتاج العقل البشري.
إن هناك دوراً هاماً للوالدين في تنمية حب القراءة بما يتناسب مع الميول والرغبات حيث يؤكد كثير من الباحثين في مجال تعليم القراءة أن كثيراً من الطلاب المتميزين في القراءة قد نشأوا في بيئات ذات اهتمام بالقراءة كأن يكون الوالدان لديهم اهتمامات في مجال القراءة ومن ثم يحاولون صنع الجو المناسب لأبنائهم لتعلم القراءة. تقول الباحثة الأمريكية MARY LEONHARDT ميري ليو نهاردت (1977)، إن هناك أسباباً تؤكد على الآباء ضرورة مساعدة أبنائهم في محبة القراءة ومن هذه الأسباب ما يلي:
1/ يجب أن يحب الأطفال القراءة ليصبحوا قراء جيدين ومتميزين فالطفل عندما يحب القراءة فإنه سينفق وقتاً كبيراً في القراءة مما سيجعله متفوقاً في القراءة وبالتالي يساعده هذا في التفوق في المواد الأخرى.
2/ إن القارىء الجديد يكتسب المهارات اللغوية المعقدة فهو يتحدث ويكتب ويتعامل مع الأفكار المعقدة بصورة أفضل من غيره.
3/ القراءة تساعد الأطفال في التعرف والاطلاع على مجموعة كبيرة من المراجع مما يجعل عملية التعلم لديهم تسير بشكل يسير.
4/ في المرحلة الثانوية يكون التفوق واضحاً للطالب القارىء إذ باستطاعته التفاعل مع مختلف المواد التي تتطلب مهارات مختلفة وبالتالي فإن الطالب القارىء يصبح متفوقاً في دراسته الجامعية.
5/ القراءة تعطي الأطفال القدرة على تحديد وجهات النظر في الموضوعات التي يتعرضون لها كما أنها تساعد الأطفال على فهم آراء الآخرين.
وأخيراً، ليست القضية قضية (نياحة) على القراءة، لكنها رغبة وترغيب، وذكرى وتذكير للآباء والأمهات والمعلمين والمعلمات بأهمية الدور الملقى على عاتق الجميع في سبيل الدعم والتشجيع على القراءة وتوفير الكتب المناسبة للبنين والبنات من حيث السن والميول. كما أنها دعوة للجميع وخاصة أولياء الأمور إلى إعطاء هذا الجانب القدر الكبير من الأهمية فلقد حان الوقت لأن نساهم جميعنا بفعالية في نشر ثقافة القراءة الحرة بأشكالها المختلفة من أجل بناء جيل قارىء مثقف.