د. أحمد الفراج
جرت العادة أن يختار المرشح للرئاسة الأمريكية نائبه، بعد مؤتمر الحزب مباشرة، وذلك بعد أن يترشح رسميا، وقد واجه المرشح الجمهوري المثير للجدل، دونالد ترمب، مشكلة حقيقية، حيث أن معظم الأسماء الجمهورية البارزة، لم ترغب في الإرتباط به، لعدم إيمانهم بأفكاره، وليقينهم أن فرصته بالفوز بالرئاسة ضئيلة، فقد كان ترمب يأمل في استقطاب خصمه الشرس، في انتخابات الحزب التمهيدية، حاكم ولاية أوهايو، جون كيشك، ليكون نائبا له، وذلك لتميز كيشك، ولأن هذا قد يضمن له الفوز بولاية اوهايو الهامة جدا، وهي الولاية المتأرجحة، التي كان لها الفضل كثيرا في ترجيح كفة هذا المرشح أوذاك للفوز بالرئاسة، فهي من حسمت فوز بوش الابن بإعادة الانتخاب، في عام 2004، ولكن الحاكم كيشك رفض، حسب التسريبات، كما رفضت أسماء جمهورية أخرى، من ضمنها المرشح الجمهوري الآخر، ماركو روبيو، عضو مجلس الشيوخ عن ولاية فلوريدا، وحاكمة ولاية جنوب كارولينا، الأمريكية من أصل هندي، نيكي هيلي، فماذا فعل ترمب؟!.
اختار ترمب حاكم ولاية انديانا، مايك بنس، ليكون نائبا له، وانديانا هي احدى ولايات وسط الشرق، وهي ولاية زراعية محافظة،والحاكم بنس، رغم أنه ولد كاثوليكيا، إلا أنه ينتمي لشريحة هامة انتخابيا، وهي شريحة الإنجيليين المسيحيين، أو ما يمكن أن يطلق عليهم «الصحويين الأمريكيين»، وهذه الشريحة تمتد على مساحة أمريكا، ولها تجمعات، وقنوات تلفزيونية واذاعية، وبالتالي فقوتها الانتخابية هامة لأي مرشح، والحاكم بنس أعلن منذ زمن مبكر أنه ولد من جديد، أي أصبح مسيحيا ملتزما، وله مواقف متطرفة جدا ضد الأجانب، وضد المختلف عموما، مثل السود واللاتينيين، وكان بنس قد أعلن أن ولايته، أي انديانا، لن تقبل أي لاجئ سوري، في تحد صارخ للرئيس أوباما، وهو في هذا يتواءم مع مبادئه المحافظة جدا، والمحافظة، كما ذكرت في مقالات سابقة، هي الاسم المخفف للتطرف والعنصرية، ومع أن الحاكم بنس سيثير غضب كثير من شرائح المجتمع الأمريكي، إلا أنه سيساعد ترمب في كسب شريحة الإنجيليين المسيحيين، وهي شريحة لا يستهان بها، إذ كان لها دور في فوز الرئيس بوش الأب بالرئاسة، في انتخابات عام 1988، عندما أقنع ابنه جورج، الرئيس لاحقا، زعماء هذه الطائفة بالتصويت لوالده، وغني عن القول إن بوش الابن ينتمي لهذه الطائفة، ولعلكم تذكرون زلة لسانه، أو ما قيل إنها زلة لسان،عن الحرب الصليبية، بعد أحداث سبتمبر!.
وللطائفة الإنجيلية حكايات لا تنسى، فقد سبق أن قال أحد زعمائها، الواعظ جيري فولويل، مؤسس جامعة الحرية، سبق أن قال لأتباعه إن الله، حاشا الله عن ذلك، قد أخبره بأنه سيغضب من هؤلاء الأتباع، اذا لم يتبرعوا للجامعة، وقد تبرعوا بطيب خاطر، ما يعني أن المتاجرة بالدين ليست حصرا على دين معين، أو بلد معين، ومن وعاظ هذه الطائفة، هناك الواعظ جيمي سويقارت، والذي كان يبيع الوهم والدجل على أتباعه، ويمثل حياة الصالحين، ثم تم القبض عليه مع فتاة ليل، في فندق منعزل، وهي الفضيحة التي هزت أمريكا لمدة طويلة، ولا تزال، رغم مضي وقت طويل عليها، والحاكم بنس جزء من هذه الطائفة، ولك أن تتخيل شكل الولايات المتحدة، في زمن ترمب، مع بنس، فيما لو فاز ترمب بالرئاسة، فهما خليط من الجهل السياسي (ترمب)، والمحافظة الدينية (بنس)، وهذا خليط خطر، لا ينقصه إلا عود ثقاب، لتنفجر أمريكا، وينفجر العالم معها، ولعل هذا ما جعل الدولة العميقة في أمريكا، خصوصا الأعلام وكبار الساسة، يستشعرون عمق الخطر، وينجرفون في دعم المرشحة الديمقراطية، هيلاري كلينتون، ومع ذلك فلا تزال حظوظ ترمب قائمة، فلنواصل مراقبة واحدة من أشرس المعارك الرئاسية في التاريخ الأمريكي.