د. محمد عبدالله العوين
أعلم - كما يعلم غيري كثيرون - أن المملكة غنية بكفاءات سياسية وقانونية واقتصادية عالية، وسيفيدون القيادة في اجتراح مواقف واتخاذ قرارات متأنية حكيمة لمواجهة الاستهداف الأمريكي القميء لبلادنا في اقتصادها وقرارها السياسي؛ سعياً لمحاولة إرباك وإضعاف ثقلها في محيطها العربي والإسلامي، وربما على النطاق الأوسع الدولي.
تعلم مراكز صناعة الرؤى والسياسات الأمريكية في الكونجرس والبنتاجون وجيوش الباحثين المسخرين لخدمتهما أنه لم يثبت بأية صورة من الصور وبعد خمس عشرة سنة من التقصي والبحث أية صلة للمملكة بمقترفي جناية تفجير الأبراج 2001م، والقلة المحصورة في نفر قليل من صناع السياسة الأمريكية يعلمون أيضاً من هو المدبر والمخطط للفعل الإرهابي، وما هي أهدافه وغاياته القريبة والبعيدة، وهم يواصلون دفع نتائجه اللاحقة التي حدثت بعده وتصعيدها بمواصلة أعمال إرهابية تحت ظلاله واستخداماً لحجته باسم «مكافحة الإرهاب».
ولم يعد خافياً الآن أن المنطقة العربية على الأخص والمسلمين بعامة مستهدفون بالتمزيق والتشتيت والإضعاف؛ كي لا تقوم للعرب ولا للمسلمين قائمة، ليس من 11 سبتمبر فحسب؛ بل منذ الحروب الصليبية وإسقاط الدولة العثمانية؛ لإسلاميتها «مع التحفظ على سياساتها نحو الدولة السعودية والعرب بعامة» والاستعمار الأوربي لممالكها التي كانت تهيمن عليها، وغرس الاستيطان اليهودي في فلسطين، والحرب على أية محاولة للنهوض العربي ومقامة إسرائيل؛ كما في العدوان الثلاثي على مصر 1956م ونكبة 1967م والدعم الأمريكي والغربي لإسرائيل في حرب رمضان 1393هـ أكتوبر 1973م ثم المسلسل المرير من استهداف المنطقة بالمؤامرات الأمريكية الغربية بعد ذلك من زفة المقبور المجوسي «الخميني» إلى عرش إيران وما جره ذلك من حروب ودماء وإشعال للطائفية، واستخدام المسلمين لمواجهة السوفييت في أفغانستان، ثم تكوين «القاعدة» كأداة من أدوات التمزيق والفرقة، ثم تكوين جماعة تنهج نهج الخوارج لمزيد من إشعال الفتن وتقبيح الإسلام أمام العالم كما تفعل «داعش» ولتتخذ هذه الجماعة ذريعة للحروب وللحملات العسكرية على العرب والمسلمين السنة كما تفعل أمريكا وروسيا معها بضرب المناطق السنية وتدميرها وتهجير واحتلال العراق العربي وتحويل بغداد إلى عاصمة للفرس - كما يدعون - وتمزيق المنطقة بتثويرها لإشعال الحرائق فيها كما هو حاصل الآن مع الأسف.
وأرى أنه من الضرورة الإفادة من أي مقترح يضيف أو يؤكد ما يفيد لمواجهة العداء الأمريكي المتبرقع قديماً باسم الصداقة والعلاقة المتينة التي لم يحسن الجانب الأمريكي البراجاماتي تقديرها ولا التعامل معها، من باب العلاقة والصلة بين أمة وأمة، وحضارة وحضارة؛ بغض النظر عن التكافؤ المادي أو الصناعي أو العسكري، ولكنهما في حاجة ماسة إلى التكامل لا التضاد، والتعاون لا العداء، وتمتين الراوبط، وتقوية المنافع؛ لا تدميرها، وتجييش الشعوب، وإشعال نار الضغائن بين النفوس في الأمتين الغربية والعربية.
إن هذا التجييش النفسي والأيدلوجي للشعوب في الأمتين الغربية والعربية والإسلامية سيجعل «العالم» كله على فوهة بركان فائر ملتهب، وحين ينفجر لن يدمر أمة ويستثني أمة؛ بل سيشعل الحروب والقلاقل والدم والخوف والفقر في كل مكان من العالم، وسيوقف تقدم الإنسانية في المضمار المفيد، ويسخر قدرات الشر لاكتشاف مزيد من أدوات التدمير والهلاك.
على العقلاء وحدهم في أمريكا والمعسكر الغربي والحكماء في أمتنا العربية والإسلامية أن يحتووا الشرارة المتقدة، ويردموا فوهة البركان الذي يوشك أن ينفجر، ويضربوا على أيدي السفهاء والأشرار الذين يسيرون الأمور وفق أهوائهم ونزعاتهم العنصرية الشوفينية من المتزمتين اليمنيين من المسيحيين واليهود أو الفرس المتصهينين وغيرهم.
ليس في تصعيد العداء بين أمريكا وحلفه الغربي والأمة العربية والإسلامية مصلحة، مهما انتحل المنتحلون من أكاذيب وقصص ملفقة تستجيب لخيالات مريضة مشحونة بالعداء الأيدلوجي والعنصري المسبق، وكل الأكاذيب السابقة انكشفت وبان عوارها؛ كحجج غزو العراق وتدمير بنيته العربية، وتبينت الأهداف المخبوءة وراء الغزو الأمريكي، وتعرت الإنسانية المدعاة في سجن «أبو غريب» و»جوانتانامو».
وللحفاظ على أمن وسلامة وازدهار الإنسانية لا مناص للعقلاء وللحكماء أن يتقدموا بمبادرات يقظة واعية لإطفاء الحريق قبل أن يشتعل، وردم البركان قبل أن ينفجر، وقبل أن تتصعد وتيرة الصراع والأحقاد والانتقام ليس بين دولتين؛ بل بين أمتين وحضارتين.