د. فاطمة العتيبي
يعمل نظام الحوكمة في المنظمات الحديثة على الاهتمام برأس المال البشري باعتباره رأس مال وطني، وهو قيمة مضافة شرط الاحتكام إلى المعيارية والتناسب, فالموارد البشرية النوعية والمتميزة هي مخزون وطني مهم جداً. الإنسان هو من ينفذ ويباشر العمل ويتماس وجهاً لوجه مع المواطنين، وهو الذي يواجه المشكلات والمعوقات، وهو الذي يمتلك الفرصة ليراكم الخبرات، وحين تهتم المنظمات بهذا الإنسان فإنها تحقق ربحية عالية وتمتلك أدوات التطوير والتعديل والتغيير، يقول الفريد مارشال عن الاقتصاد إنه «يظل قيمة محدودة إن لم تستغل في تطوير القوى البشرية التي تحوّل الثروات من مجرد كميات نوعية إلى طاقات تكنولوجية متنوعة تحقق التقدم المنشود»،
وبين الحوكمة ورأس المال البشري علاقة طردية، فكلما زادت حوكمة المنظمة، نما رأس المال البشري وزاد معدّل الاستثمار فيه.
وحيث تعمل الحوكمة من خلال مبادئها على بناء الثقة بين المنظمات والمواطنين، فإن الاستثمار في رأس المال البشري يعزز هذه الثقة ويجذرها، لأنّ الناتج يتماس مع المواطن ومصالحه مباشرة.
يردد الكثيرون من المسئولين مصطلح الاستثمار في رأس المال البشري، بينما ممارساتهم تناقضه تماماً. فلا تجد برامج تدريب مدروسة، ولا تمكين بتفويض الصلاحيات، ولا معايير للترقيات ولا معايير لاختيار القادة، مما يجعل هذه المنظمات فقيرة وهزيلة، وغير قادرة على إحداث التقدم وتحقيق طموحات الدولة.
قالت وزيرة تعليم فنلندا في واحدة من زياراتها المتكررة وغير المبررة في الحقيقة، قالت إنّ 80 معلماً سعودياً سيتدربون في فنلندا.
والحقيقة إن هذا ما كنت أنادي به، فإذا كنا سنطور المدارس فليذهب المعلمون المتميزون ويقيموا هناك سنة، بدلاً من زيارة وزير وكبار المرافقين ليومين فقط يسمعون كلاماً قد لا يعرفونه، لأنهم لم يعملوا في مدارس قط وهذه تكررت في مراحل وزراء عديدين.
وزيرة فنلندا قالت ما هو مفيد قي مؤتمر صحفي قلته أنا قبل سنوات ولم يسمعني أحد. لن نأخذ مناهجهم ولا سلوكياتهم ولا دينهم، نحن ببساطة نريد أن نعرف كيف يجري العمل في المدرسة، ولماذا يحب التلاميذ المدرسة وكيف يتطور المعلمون ولماذا يحبون مهنتهم ؟
الاستثمار هنا يظهر حين نحسن اختيار من سيذهب لفلندا كي يعودوا بفائدة، لأن هؤلاء الثمانين بإمكانهم أن يكونوا الخميرة التي ستساعد في بناء أعراف وقيم ومفاهيم وخبرات ومهارات جديدة في المدرسة.
وكي أجعلكم تبتسمون في آخر المقال، الدول التي تستثمر في رأس المال البشري لا يقول فيها مقدم برنامج شهير للشباب: أحسن إنكم ما كملتو دراستكم، أو تبتعث متدرباً كي يتعرّف على تجارب الدول المتقدمة، فتجده يصور طاولات الاجتماعات الكبيرة ويقول كيف دخلت ؟؟ ولا يحجب فيها مسئول مواطناً عن مسئول.