د. حمزة السالم
خرجت علينا الصحافة تتناقل خبر نشرته واس نقلاً عن تصريح العضو المنتدب لشركة تطوير الموانئ المهندس عبدالله بن محمد حميد الدين، التي يظهر أنها أصبحت الجهة المالكة والمطورة لميناء الملك عبدالله، بعد أن كان الميناء مجهول النسب والمصير قبل ثلاثة أعوام تقريباً. والتصريح لا يبشر بخير، فهو يجدد التأكيد على ثقافة ضحالة الفطنة مع براعة التضليل لمن يتسلم مسؤوليات المدينة الاقتصادية ومقوماتها الإستراتيجية.
فضحالة الفطنة تبينت في كون التصريح قد جاء مؤكداً شاهداً لكلامي «فزيادة الميناء لإنتاجيته في 2015 بثلاثة أضعاف» يدل على أنه لم يكن هناك ميناء قبل ذلك. فالذي يتعلم أول ثلاث كلمات إنجليزية، يكون النمو في مستوى التعلم عنده 300 %. ويستحيل أن يحقق أي شيء نمواً بأكثر من خانتين إلا إن كان عد ما قبل ذلك.
فميناء دبي الذي أشار حميد الدين إلى نموه بأنه لم يتعد 2 %، فذلك لأنه قد تعدى 18 مليون حاوية يومياً ويتجه إلى 22 مليون حاوية.. بينما نمو ميناء الملك عبدالله ثلاثة أضعاف لم يتجاوز 1.3 مليون حاوية.
ولا تظهر المشاكل ويتبين ضعف الميناء إلا مع اتساع سعته وتعديها لخمسة ملايين حاوية.. لتتضاعف الصعوبات والمشاكل بعد ذلك في تصاعد تزايدي كلما ازداد حجم الميناء. فنمو ميناء جبل علي بزيادة مليون حاوية، لهو أصعب من نمو ميناء الملك عبدالله بعشرة ملايين اليوم.
وهناك أمر عجب وما هو بعجب لمن عرف الحقيقة.. فقد ذكرت مجلة JOC في2014/7 أن الميناء قد بدأ بـ 1.3 مليون حاوية عام 2013 ليصل إلى 2.7 حاوية في نهاية عام 2014 ونحن نعرف أنه لم يكن هناك وعي من المسؤولين بالميناء أصلاً، حتى تنبيهي لهم. والخبر هذا بعد ذلك.
فما رأي حميد الدين، هل صحيح أن الميناء كان عام 2013 م بسعة 1.3 مليون حاوية؟.. وأنه كان سيصبح 2.4 مليون في عام 2014. فلا أدري، لعله اختلط عليك فالنمو الأسرع الذي ذكرته مجلتك، هو نمو سلبي تناقصي.
وبراعة المبررات في محاولة تلبيس هذا الإنجاز الهزيل لباساً تعظيمياً في كونه أنجز في «ظل التحديات التي تواجهها الأسواق وتباطؤ نمو الاقتصادات العالمية، حيث كان قطاع النفط الأكثر تأثراً بها». والميناء لا ولن يشتكي قلة الطلب إلا أن تتوقف التجارة العالمية تماماً. فموقعه الإستراتيجي جعل منه أول وأنسب ميناء بين الشرق والغرب والذي تمر به أكثر من ربع التجارة العالمية.
وهناك أمر آخر.. هو أني لم أجد هذا التقرير، سواء في المجلة المذكورة ولا في أيّ إشارة من أي جهة أخرى لم تنقل عن حميد الدين. وبخبرتي فإني أكاد أجزم بأن هناك نوعاً من عدم الصحة في خبر كون الميناء «كأسرع موانئ الحاويات نمواً في العالم». فالنمو يكون بعد المرحلة الأولى، وإلا فكل ما ينمو من الصفر فهو الأسرع نمواً. فإما أن المجلة لا قيمة لها مما يبيع التصنيفات، وإما أنه خبر محرف. وهذا أمر يجب التأكد منه، لحفظ مصداقية واس.
وعموماً، ليس غرضي هنا ولا في مقالاتي أن أعطل تقدم الميناء، بل العكس تماماً. فقد وقفت مناصراً لمشروع المدن من قبل، واليوم أقف ناصحاً ومشفقاً. فقد تأخر الميناء كثيراً، فليس بناء الميناء بعشرين مليون حاوية هو التحدي الذي أخشى منه، إنما تصميمه على نحو يضمن انسيابية حركة الشحن والتفريغ. فقد نستطيع بناء أضخم ميناء من حيث السعة، ولكن بوجود مشاكل مستأصلة تضيّع كفاءته وتطرد الملاحة عنه.