يوسف المحيميد
قد يبدو غريباً رحيل المثقف صالح المنصور، المعروف بالشيوعي الأخير، بكرافتته الحمراء الشهيرة، الذي غادر بحادثة دهس في الرياض، لكن الغرابة تتضاءل كثيرًا حينما يفجعنا المهندس صالح السلطان بأسباب وفيات الحوادث في الرياض، وعلى رأسها حوادث الدهس، التي تصل إلى 40.09% من إجمالي هذه الحوادث المرورية، وهو رقم كبير للغاية، يوحي بأننا نتعرَّض لعمليات دهس منظَّم، ويشير بإصبع الاتهام تجاه أمانات المدن، وهيئات تطويرها، لعدم الاعتناء ببناء أرصفة المشاة، بما يضمن سلامتهم!
لنأخذ، على سبيل المثال، مدينة الرياض، وهي المدينة التي قُتِل فيها صالح المنصور، وحين أقول «قُتِل» فإنني أعني الكلمة تماماً، حيث ما يحدث من دهس هو عمليات قتل مباشر، إما لتهور السائقين ورعونتهم، أو لجهلهم بحقوق المشاة الذين ليسوا لهم حقوق في مدننا، ففي الرياض مثلاً لا نجد أرصفة تحميهم، ولو وُجدت فيها مرتع لصناديق البلدية الصفراء الضخمة، أو للسيارات نفسها التي تقفز فوقها، وتستبيحها ببساطة، دون مراعاة لأصحاب الحق وهم المشاة، ودون وجل من عقوبة أو غرامة!
لا يوجد في الرياض أي ملامح تشير إلى المشاة، لا خطوط تحترمها السيارات وتقف دونها لعبور المشاة، لا مكان مخصصاً للعبور في الشوارع، فيضطر الماشي إلى عبور الشوارع من أي مكان يختاره، ويتلفت يميناً ويساراً، وأحياناً يرفع رأسه للأعلى، فقد تهبط سيارة فجأة من السماء فوق رأسه!
ما الذي يمنع الأمانات من تخصيص إدارة أو قسم كبير فيها، يعمل ليل نهار لأجل المشاة، وتأمين كافة السبل التي تمنحهم سيرًا آمناً، سواء في الشوارع الرئيسة أو حتى في فوضى الأحياء، فكم من حوادث الدهس التي سمعنا بها داخل الأحياء لمصلين ذهبوا إلى المسجد من منازلهم ولم يعودوا، لأن الأمر فوضى، والمدينة لم تُخطّط من الأساس بطريقة تراعي المشاة، أو حتى تفكر فيهم، مما جعل معظمنا يستخدم السيارة في تنقلاته حتى لو كان مشواره على بعد عدة أمتار، ليس تكاسلاً، وإنما حمايةً لأرواحنا، فلا يمكن أن نمشي في الشوارع، لأنها للسيارات وليست لنا!
لذا أرفع إصبع الاتهام بثقة، بأن قتلى الدهس في مدننا، لا يتحمّلها المرور وحده، الذي لم يقمع تهور السائقين، وإنما أمانات المدن التي لم تضع في حسبانها المشاة، عند تخطيطها للشوارع والأحياء!