حمّاد السالمي
- مع أن (قانون العدالة ضد رعاة الإرهاب - جاستا)، الذي أقره الكونجرس الأمريكي قبل أيام عدة، لا يذكر المملكة العربية السعودية بالاسم تحديدًا، إلا أننا نتعجب حقيقة من هذا الحشد التحريضي المتزامن مع إقرار النظام، والموجَّه ضد بلادنا ومجتمعنا من داخل الولايات المتحدة الأمريكية، ونستغرب من ربط القانون بنا على ألسنة بعض المتنفذين في الإدارة الأمريكية، وكأن (جاستا) هذا مفصَّل علينا، مع أننا نعرف وهم يعرفون أنه لا صلة للمملكة العربية السعودية - لا حكومة ولا شعبًا - بالحادث الإرهابي الذي تعرضت له نيويورك في 11 سبتمبر من سنة 2001م، وهم منذ خمس عشرة سنة يحققون في كل اتهام، ويدققون في كل احتمال، فلم يجدوا حتى اليوم دليلاً واحدًا ضد الدولة السعودية، ولا ضد مؤسساتها أو أفراد منها.
- من حق الإدارة الأمريكية أن تقر على أراضيها من الأنظمة ما تشاء، وأن تحمي مواطنيها، وتحفظ حقوقهم؛ فهذا شأنها، لكن أن تتحول القوانين إلى وسائل للابتزاز السياسي والمالي، وتشويه صورة بلد كبير في حجم المملكة العربية السعودية، فهذا أمر خطير؛ لا يمكن السكوت عليه، خاصة وهو ينطلق من أكبر دولة في هذا العالم، ومن دولة صديقة وحليفة، ضد دولة صديقة وحليفة لها منذ أكثر من سبعين عامًا.
- لو لم تكن المملكة العربية السعودية حليفة للولايات المتحدة الأمريكية في الحرب على الإرهاب، ولم تكن المملكة هي المستهدفة من الإرهاب قبل حادث 11 سبتمبر الإرهابي، وهي التي تلقت من العمليات الإرهابية بعد 11 سبتمبر أكثر مما تلقته أمريكا ودول أوروبا كافة، وهي التي ظلت تحارب القاعدة شبه منفردة، وتلاحق أعضاءها ومؤيديها والمحرضين لها، وهي التي ما زالت تتلقى المزيد من المخططات والعمليات الإرهابية، وهي التي قدمت العديد من أبنائها من رجال الأمن والمواطنين ضحايا لعمليات إرهابية، طالت الكثير من مناطقها ومدنها.. لو لم تكن المملكة العربية السعودية في هذه الحالة الفريدة من بين دول العالم منذ عشرين سنة مع الإرهاب والإرهابيين، ومع المجتمع الدولي في الحرب على الإرهاب، لو لم تكن كذلك فماذا كانت تنتظر من إجراءات قانونية مضادة أكبر، تستهدفها، وتبتزها سياسيًّا وماليًّا، وتحرض عليها، وتشوه صورتها..؟!!
- وبغض النظر عن الظروف الداخلية والخارجية لأمريكا، التي أسهمت في ولادة قانون جاستا، فالداخل الأمريكي يموج بمزايدات انتخابية وسباق على كراسي التمثيل في الولايات وفي الإدارة ذاتها، وشركات المحاماة والدوائر القانونية تتهافت على استغلال الموقف، بهدف تحقيق مكاسب مالية من المدعين والمدعى عليهم، إلى جانب الفشل الذريع الذي تسجله أكبر دولة في العالم خارجيًّا على مستويات سياسية وعسكرية. لكن هذا كله لا يشفع لدولة كبرى أن ترهن سمعتها وعلاقاتها ومصالحها وقوانينها لقانون واحد يوجه للدول بتهمة الإرهاب، في حين أن معظم دول العالم هي شريكة مع الولايات المتحدة في التضرر من العمليات الإرهابية، وفي الحرب معًا ضد الإرهابيين، وفي مقدمة هذه الدول المملكة العربية السعودية، وفي الوقت نفسه تمارس هي الكثير من أشكال الإرهاب داخل أراضي دول أخرى، ثم تسكت عن الإرهاب الموجَّه ضدها والمموَّل من إيران الصفوية منذ سبع وثلاثين سنة وإلى اليوم. إن إيران هي الراعية الحقيقية للإرهاب في العالم. من أهان أمريكا في عملية سفارتها في طهران..؟ ومن قتل 241 من المارينز الأمريكيين في بيروت سنة 1983م..؟ ومن آوى الإرهابيين الذين نفذوا عملية نيويورك في 11 سبتمبر ومولهم..؟ ومن احتضن قادة القاعدة وحماهم..؟ ومنهم أبناء المقبور أسامة بن لادن وعائلته وحاشيته وأعوانه، ومن بينهم سليمان الغيث والغامدي وغيرهما كثير إلى اليوم، ومَن فجّر الأوضاع، وقلب الطاولة على الأمريكيين في العراق..؟ ومن خرب سوريا واحتلها..؟ ومن خلق منظمة حزب الله الإرهابية وموّل عملياتها..؟ ومن أوجد الحوثيين وقواهم..؟ ومن دبَّر تفجير المبنى السكني للعسكريين الأمريكيين في الخبر سنة 1996م..؟ ومَن ومَن..؟ هذا ما هو مسكوت عنه في البيت الأبيض اليوم، وتوجه الأنظار لخلافه.
- إن قانون جاستا الذي أصبح مدار استنكار ونقد دول كثيرة في الشرق والغرب يخلق جوًّا من الشحن النفسي في المجتمع الأمريكي، ويؤسس لمرحلة جديدة من التكريه البغيض في الأوساط السياسية والإعلامية والمالية وحتى القانونية ضد المملكة العربية السعودية، ومن ثم العرب والمسلمين. كانت المملكة - وما زالت - بقيادتها السياسية وكافة أطيافها الإعلامية والفكرية والثقافية ضد كل خطاب تحريضي أو تكريهي موجَّه لدول أو مجتمعات، ومنها الولايات المتحدة الأمريكية. لا ننكر أن هناك أصواتًا نشازًا حقيقة لا تمثل مجتمعنا ولا الدولة السعودية، دأبت على هذا الأسلوب التطرفي المنفر عن حمق وجهالة وضحالة فكر، وأسهمت في تأكيد صورة نمطية إرهابية عن العربي والسعودي. هذه الأصوات ظلت - وما زالت - في دائرة المساءلة والمحاسبة بشكل رسمي، وكنا نتمنى أن لا تمثل هذه الفئة الشاذة نصف الكأس الفارغ الذي رأتنا فيه بعض الدوائر الأمريكية على ما يبدو، ثم حكمت علينا من خلاله. نحن من عانى ويعاني من همجية هذا الخطاب العدائي المتلبس بالإسلام قبل غيرنا، فما بالنا ونحن نواجه بمثله من الغرب، ونشهد بسببه شماتة أعداء متربصين من العرب والمسلمين تحديدًا.