د. خيرية السقاف
بين نقيضين تقع الحقيقة
ما حقيقة أن المعلم لا يقتصر دوره على نقل الخبرة, والتأكد من تنفيذها بجعلها لقمة هنيئة مريئة تتسلل لدخيلة تلميذه الواقف أمامه, أو الجالس جواره, المشخص عينيه نحوه، المصدق ما يقول له, الواثق مما يسمع منه, المقلد لحركاته, وإشاراته ....؟!!
وهل صدقا أدى ما عليه سلوكاً, وتعاملاً وبمثله ما أفرغ من المعارف, والحقائق, والخبرات....., وحقق من أهداف, وحفز من إلهام, وحرك من فكر, وبنى من رغبة, وكشف من قدرات, وأسس من طموح, وأوصل من مضمون, ونفذ من طريقة, وكشف من مهارة، وبلغ من تحصيل, وأنتج ما يرقى للتميز في التقييم..؟
إنه في حال إن استطاع, ويستطيع الوصول لهذه الخاتمة في دوره مذ يلج للمدرسة في الصباح, إلى أن يودعها خارجاً عنها بعد منتصف النهار, وقد تحلل بآهة طويلة من عناء يومه, وبراحة كبيرة بأداء ما عليه فإنه إذن لا يتناقض بين ما يقول وما يفعل..
لكن ما حال الذي ليس على هذه الشاكلة ..؟
يبدو أن اللاقطات في الأجهزة الذكية الآن تتكلم من داخل أروقة المدارس, كما في أي مكان..!!
كان التلميذ ولا يزال في المدرسة ضمن ضوابط ما يسمح له بمرافقته, وما لا يسمح له, فلم يكن يسمح له بالعديد مما يحب, كزجاجة عطر في حقيبته, أو صورة لاعب يشجعه, أو مرآة تتأكد الصغيرة فيها من اعتدال خصلات شعرها, انتهاء إلى شريط فيديو, وإن كان مضمونه مباراة كرة, أو قصة كرتونية, أما «الكاميرا» اللاقطة فهي تحت خطوط حمراء لا جدال في شأنها إلا الإيقاف عن الدراسة ليوم تعزيراً, وبحضور ولي الأمر تنبيهاً..
تمر أحداث اليوم الصغير يتلقى, ولا ينقل لبيته, والبيت في نعيم الروتين يضطجع..
اللاقطة اليوم في الهواتف, ومع أحداث الصبح قبل أن يرشف المرء رشفة من كوب قهوته, تنتقل له أحداث مصورة, من داخل المدرسة..
معلم يضرب، معلم يقبل الرأس, معلم يقدم الحلوى, معلم يشتم ويعنف, قائد يستقبل بالورد, قائد يقبل الرأس, وتلميذ يصفع معلمه ...
كيف غدت هذه اللاقطة شريكاً في الحركة, داخل الفصل وخارجه, وكيف أصبح التعبير عن الرضا بصورة, والتعبير عن السخط بها, متحركة ناطقة تشهد بما يعلم أو بما لا يعلم..؟!
ثمة خلل, ليس في أمر اللاقطة، وإنما في أمر ما تنقله من داخل المؤسسة التعليمية.., -بما فيه تهالك بناء, أو تعثر مختبر-..
فمع أن هناك من يستحق تقبيل الرأس ممن عندما يغادرون باب المدرسة يرفعون أكفهم حمداً لتوفيق الله لهم أن أدوا الدور بأمانة, لكن هناك الذين يضطرون التلميذ لأن «يصفع أحدهم», أو يهرب من المدرسة, أو ينهج بعيداً عن الانضباط السلوكي في صور عديدة..
من يشهد بصدق, وتجرد للتلميذ, أو للمعلم, أو حتى للقائد في المدرسة..؟!!
لاقطة الجوال التي رافقت بقبول, ولقطت برضا..؟
أو تسللت دونه, وحُركت في الخفاء..؟!!
هذا خلل..!!؟
خلل ما لا بد أن يتكلم في مؤسسة التعليم. في جوانب الأمر كله ليجلي عما يجري في المدرسة من متناقِضَيْن.